- ان الفترات التاريخية التي تناولتها الدراسة ظلت الكثير من احداثها مطمورة والذي يشكل ركنا مهما من تاريخ السودان السياسي والعسكري ، وقد بقيت بعيدة عن اهتمام كتاب التاريخ وبالتالي غابت حتى عن الكثير من الذين دونوا تاريخ هذه المرحلة او كتبوا مذكراتهم الشخصية ممن عاصروا أحداثها ، ولعل السؤال المستديم الذي ظل يلح في ذهن كل مواطن سوداني او المهتمين بتاريخ السودان ومصر لهذه المرحلة .
ومن هذا المنطلق لعب السودان دورا بارزا في تاريخ افريقيا الحديث والمعاصر ليس هذا فقط لانه من اكبر دول القارة مساحة – قبل انفصال دولة الجنوب عن الشمال – ويجري فيه نهر النيل اطول انهار العالم ، بل لانه ايضا البلد الذي حصل على استقلاله في فترة حديثة من سيطرة الاستعمار البريطاني عليه اذا ما قورن بغيره من البلاد الافريقية الاخرى على الرغم من ان الحركة الوطنية ظهرت فيه قبل غيرها من الحركات الاخرى في القارة واتسمت عند ظهورها بالقوة وعمق جذورها من حيث كونها نبعت من وجدان وضمير ابنائه بكل شرائحه المتنوعة .
وكان السودان في الماضي ولايزال امتدادا لمصر سياسيا وفكريا وثقافيا ، ومنذ اوائل القرن التاسع عشر وبالتحديد في عصر محمد علي باشا عندما امتدت الادارة المصرية اليه ، وقبل نهاية ذلك القرن التف اغلب السودانيين حول ” محمد احمد المهدي ” ورفعوا لواء الجهاد في صورة شبه قومية ضد الحكم الاجنبي فيما عُرف بالثورة المهدية ونجحوا في تحقيق استقلالهم ، وكان نتاج ذلك خضوع السودان لسلطة الدولة المهدية “1885-1899 ” .
وبعد ذلك استطاع القائد البريطاني اللورد كتشنر ان يقضي على الثورة المهدية واتباعها بعد تمكن من تقويض ارادة جيش الخليفة عبدالله التعايشي والتفوق عليه بقدراتهم العسكرية في موقعة كرري “1898 -1899 ” وكانت نتيجة ذلك خضوع السودان لسلطة الادارة البريطانية او ما عرف بالادارة الثنائية بين مصر وبريطانيا ، ولم يكمن من سبيل امام بريطانيا للتخلي عن السودان مادامت قد قدرت لقواتها ان تستمر في احتلالها لمصر حتى تمكنت بعدها من احكام قبضتها على شطري وادي النيل شماله وجنوبه . لذا كان على الشعبين المصري والسوداني أن يخوضا نضالا مريرا ضد الوجود البريطاني على بلاد وادي النيل . وعليه حيث برزت في النضال الوطني شخصيات كثيرة قادت حركة الكفاح الشعبي في كل من البلدين وبروح وطنية وقومية وتصدت للسيطرة البريطانية وقد تحملت في سبيل ذلك الكثير من انواع الاستبداد والاضطهاد والتعذيب وقدمت مزيدا من التضحيات الجسام سواء بالنفس او النفيس . ومن بين الشخصيات الوطنية التي ظهرت في ميدان الكفاح الوطني السوداني الملازم والذي لقب عندها بالزعيم علي عبد اللطيف احمد الذي قاد الحركة الوطنية في السودان مع زملائه من ابناء وادي النيل الذين وقفوا امام الهيمنة البريطانية الذي ظل دائما في تعقب آثار الوطنيين حتى كاد ان يفقد توازنه ..
……..