لم تبنِ المجتمعات في سبيل القيم والقواعد الأخلاقية بقدر ما هو ضرورة إنسانية، وإن الفرد لا يستطيع أن يعيش منعزلاً دون جماعة، لأن المجتمع هو عبارة عن جماعة منظمة من الناس بروابط تضامنية في شكل أنساق للحياة، تقام لتوفير إمكانية التفاعلات الطبيعية من خلال نظم تضمن لهم الدفاع وتوفير متطلبات الحياة، ولا يعني إنه تم على أساس الدم، بل القصد منه هو الاتفاق على عقد اجتماعي من أجل تقديم المنفعة المتبادلة لإحراز غرض اقتصادي أو معنوي. وخاصة الارتباط في المجتمع، وتدخل في عملية تكوين المجتمع جميع العوامل التي تساهم في تكوين الشخصية المعنوية له ومن هذه العوامل ما يتطلب في تكوينه؛ رابطة الجنس واللغة والدين والجغرافيا والآمال السياسية والمصالح المشتركة…الخ. وعلى الرغم من أن المجتمعات لم تكن على هذا النحو فإن القيم والمعايير الأخلاقية التي تكون منها المنظومة القيمية للمجتمع هي التي تحدد المسار الحياتي للمجتمع إلى حد بعيد، ولا يمكن الفصل بين المنظومة القيمية للمجتمع والنظام السالك أو المطبق فيه دون تلك المنظومة التي كونت الشخصية المجتمعية لأعضائها، إلا أن المعضلة في المجتمعات النامية تكمن في كيفية تجسيد تلك المنظومة القيمية التي تسبق في وجودها السلطة السياسية والمجتمع السياسي في الواقع السياسي والقواعد القانونية والمؤسسات الرسمية.
تكمن أهمية البحث في المسائل التي تدور حول طبيعة العلاقة القيمية بين الدين والسياسية من جانب والطبيعة الإنعكاسية بين القيم والسلوك السياسي، وهناك محاولات متنوعة من جوانب شتى في سبيل إيجاد حل توفيقي بين الظاهرتين، إلا أن الفكر الإقصائي السائد بين التيارين لم تؤدِ إلى نتيجة مرضية لحد الآن، بل المجتمع في حالة دؤوبة من التراوح والتشرذم الداخلي والتصارع على صعيد القيم. يعد هذا المشروع كمحاولة لإيجاد نتيجة توافقية للصراع التاريخي السائد منذ أكثر من قرن، ولم يحسم بعد، بل هناك تصاعد وتجديد في الصراع بين فينة وأخرى..