إن علم المقاصد الشرعية قد تزايد في العصر الحالي الاهتمام به والالتفات إليه، وعلى مستوى البحث والتأليف والتحقيق والتدوين، وعلى مستوى التدريس والتعليم والتوعية والتثقيف.
وقد كان سبب ذلك بالأساس الحاجة الماسة، والضرورة المُلحَّة لعلم المقاصد على صعيد عملية الاجتهاد والاستنباط والإفتاء والقضاء، وعلى صعيد فهم التكليف وتعقله واستيعابه وتطبيقه، وعلى صعيد تحمل خطاب التكاليف وأداء رسالة الاستخلاف، وإقامة واجب الإصلاح والتوجيه والإرشاد في الأرض.
فلا يُعيِّن المجتهد أو الفقيه مقصداً شرعياً إلا بعد استقراء أحكام الشريعة في النوع الذي يريد معرفة المقصد الشرعي منه، وبعد اقتفاء آثار أئمة الفقه، وأعلام الاجتهاد، والمبرزين في الاستنباط ؛ يستضيء بأفهامهم، ويستنير باستنباطاتهم، ويهتدي بما وصلوا إليه من مقاصد.
إذ إنه لا يكفي النظر في الأدلة الجزئية دون النظر إلى كليات الشريعة، وإلا؛ لتضاربت بين يديه الجزئيات، وعارض بعضها بعضا في ظاهر الأمر، إذا لم يكن في يده ميزان مقاصد الشارع، ليعرف به ما يأخذ منها وما يدع ؛ فالواجب إذا اعتبار الجزئيات بالكليات، شأن الجزئيات مع كلياتها في كل نوع من أنواع الموجودات.