يعد القانون الدولي الإنساني ذلك الفرع القديم للقانون الدولي العام، الذي تبلورت أحكامه عبر عقود من الزمن آخذة شكل قواعد عرفية واتفاقية جرى تقنينها في اتفاقيات عامة منذ القرن التاسع عشر، ليوفر الحماية القانونية للإنسان والممتلكات المدنية على اختلاف أنواعها في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة، ويحقق ضبط أعمال القتال وأساليبه بتقييد حق الأطراف في الحرب أو النزاع المسلح من استخدام ما تشاء من وسائل وأساليب في القتال بهدف تخفيف المعاناة والآلام وتقليل الخسائر التي تخلفها هذه الأوضاع دولية كانت أم داخلية والتي يواجهها الأفراد عسكريين كانوا أم مدنيين.
لقد تطورت قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني تطوراً ملحوظاً وهاماً، فبعد أن كان قانون الحرب يقتصر على تنظيم العمليات الحربية القتالية، أصبحت قواعده اليوم تهتم بالإنسان بشكل خاص بصفته ضحية هذه النزاعات، وتظهر ملامح هذا التطور من خلال تدوين ونشر قواعد وأحكام هذا القانون، ويستند القانون الدولي على عدد من المبادئ الأساسية وأهمها مبدأ التوازن بين الضرورات العسكرية والاعتبارات الإنسانية، ومبدأ عدم حرية أطراف النزاع في اختيار أساليب ووسائل القتال، وأخيراً مبدأ المعاملة الإنسانية، وتطرق في بداية الدراسة إلى تعريف القانون الدولي الإنساني، ومن ثم التمييز بينه وبين القوانين المشابهة له، وعند الحديث عن نطاق تطبيق القانون الدولي الإنساني، فقد وجدنا أنه فيما يتعلق بالنطاق المادي، فهو يستهدف النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، أما النطاق الشخصي فيشمل الأشخاص الذين يتمتعون بالحماية في ضوء أحكام ونصوص هذا القانون، من مدنيين وأسرى وجرحى ونساء وأطفال، من خلال بيان المواد القانونية التي شملتهم بالحماية أثناء النزاعات المسلحة، أما النطاق المكاني للقانون الدولي الإنساني، فيحدده القانون بمسرح العمليات العسكرية الذي يمارس فيه المقاتلون حقوقهم العسكرية، وبيان الأهداف العسكرية التي يجوز مهاجمتها والأهداف المدنية أو غير العسكرية التي لا يجوز مهاجمتها، لذلك تناولنا في البحث مدى فاعلية قواعد القانون الدولي الإنساني في توفير هذه الحماية لهذه الأماكن وصورة خاصة حماية الأعيان الثقافية وأماكن العبادة، وحماية البيئة الطبيعية.
ولكي يحقق القانون الدولي الإنساني أهدافه بتوفير هذه الحماية كان لا بد من وجود آليات لتطبيق هذا القانون، ورغم تعدد هذه الآليات وتباينها من حيث الأهمية، فإن نشر نصوص هذه الاتفاقيات واحترامها يبقى الأهم والأَولى من حيث إمكانية التطبيق، سواء كان ذلك في زمن السلم، أم في زمن الحرب، وإن من شأن هذه الآليات أن تبين مدى التزام أطراف النزاع بتطبيق هذا القانون، أو إذا كان قد وقع انتهاك لهذا القانون فإن هنالك مسؤولية دولية تقع على عاتق الطرف الذي ينتهك أحكامه، حيث تكتسب المسؤولية في هذا الإطار أهمية خاصة، نظراً لما يترتب على انتهاك الالتزامات التي نص عليها القانون، أو الإخلال بالمبادئ الإنسانية التي يرتكز عليها، من خسائر فادحة في الأرواح أو الممتلكات.