إن الحقوق الجزائية هي أهم الضوابط الاجتماعية وأنجعها إذ لا يستقيم بدونها أي لون من ألوان النشاط الإنساني ولا أي نوع من انواع التنظيم الاجتماعي، فهي تصون القيم والحرمات والمصالح التي توافق الأفراد على تقديمها واحترامها، وتعين لهؤلاء الأفراد أنفسهم مجالات حقوقهم وواجباتهم وتنسق معهم فعالياتهم وتوفق بين حريتهم في سلوك النهج الذي يرتضون سعيا وراء ازدهار ذواتهم وابراز قابلياتهم ومواهبهم، وبين ضرورات الحياة الاجتماعية ومقتضيات العيش المشترك فلا تتهاتر الحريات ولا تضيع الجهود ولا يضار المجتمع في مؤسساته أو في نظمه.
والوسيلة الوحيدة في كل ذلك هو العقاب الذي يدعم قواعد الحقوق الجزائية والتي تمتاز عما عداها من فروع علم الحقوق كالحقوق المدنية والتجارية وغيرها. وأن كل سلوك إيجابيا كان او سلبيا يمس أمن المجتمع وطمأنينته ويهدد قيمه ومؤسساته يسمى (جريمة)، ويقابل هذه الجريمة عقوبة.
إلا أن ذلك لا يقف عند فرض العقوبة فحسب وانما يتعداها إلى الحقوق الأخرى، فالجريمة التي ينشأ عنها ضرر يجب أن يقابلها تعويض يفرض على فاعل الجريمة – في حال إدانته-.
ومن هنا تنشأ علاقة الحكم الجزائي بالدعوى المدنية، فلهذا الحكم تأثير كبير على الدعوى المدنية حيث أن الفقهاء قد اتفقوا بأن القاضي المدني يتقيد بالحكم الجزائي في كثير من الحالات امتثالا للقاعدة الفقهية: “الجزائي يعقل المدني”..