كان للتحولات الكبرى التي شهدها العالم نهاية الحرب الباردة الاثر المباشر في احداث تغيرات على صعيد النقاشات الدولية، والفرضيات التي كانت ترتكز عليها سيرورة العلاقات لدولية، فضلا عن ظهور العديد من المفاهيم التي كانت سائدة في تلك الفترة، إذ ان العديد من الباحثين والمحللين والسياسيين اعتبروا ان فترة ما بعد الحرب الباردة هي فترة التدفقات المعرفية الجديدة نحو اعادة هيكلية ما هو تقليدي وفقا لما هو حديث على الساحة الدولية والعالمية، إذ حملت معها هذه الفترة بروز مفاهيم وتهديدات جديدة باتت بفعل العولمة قادرة على تجاوز حدود الدولة، كالإرهاب والمخدرات واشكال الصراع الجديدة، والتي باتت تتمثل بالطابع الداخلي متجاوزا الصور الكلاسيكية المتمثلة في المواجهات العسكرية.
لقد شكل انهيار الاتحاد السوفيتي نهاية للحرب الباردة و بروز مرحلة جديدة في تطور النظام الدولي، اذ شكل هذا المتغير اساساً لمتغيرات لاحقة اصبحت بمثابة مدخلات اساسية افضت الى تحولات في طبيعة مقومات القوة التقليدي كوسيلة لتصنيف القوى والفاعلين على الساحة الدولية وكذلك الى تغييرات في هيكلية النظام الدولي. ولأغراض هذه الدراسة وعلى الرغم من الاجتهاد القائل بان النظام السياسي الدولي الراهن يتجسد في انموذج القطب الواحد بزعامة الولايات المتحدة الامريكية، الا ان هناك ايضاً اجتهاداً آخر يستند على جملة دلائل ومؤشرات موضوعية تؤكد ان الحالة التي يمر بها النظام السياسي الدولي ما هي الا حالة استثنائية وان النظام الدولي يمر من خلالها بمرحلة انتقالية،وانها ستنتهي، الى هيكلية سياسية دولية جديدة.