يتركز هذا الكتاب على دراسة جزء من تاريخ شبه الجزيرة العربية يتحد في صفات واحدة سواء بيئية أو اجتماعية أو جغرافية أو حضارية، وترجع في جذورها البشرية إلى أصل واحد، ويتلاحم تاريخها مع بعضها البعض بحيث يصعب عمليا الفصل القاطع بينها، حتى لو تقسمت اليوم إلى ممالك ودول وأمارات كل لها حدودها السياسية ونظام حكمها المستقل، ولسهولة التعبير سنشير إلى منطقة البحث هذه يسمى شبه الجزيرة العربية وأن كان لمنطقة اليمن وحضرموت وعمان دراسة خاصة، وقد تتداخل في بعض الأحيان دراسة هذه المناطق وذلك بسبب صعوبة إيجاد حدود قاطعة للتداخلات المختلفة بالمنطقة،
وتتصف شبه الجزيرة العربية بالانخفاض النسبي لعدد السكان والكثافة السكانية مع وجود تمركزات يتجمع فيها السكان وتزيد هذه التمركزات كلما اتجهنا شرقاً أو غرباً في الجزيرة العربية وتقل كلما اتجهنا إلى أواسطها. وبالطبع فهذا راجع إلى توزيع الثروة الطبيعية وتوافر مصادر المياه والرزق، علاوة على قسوة الظروف البيئية المناخية الصحراوية، وتتحد دول هذه المنطقة في الأصول الحبشية الواحدة، وتترابط فيما بينها قديما أو حديثا بصلات النسب والمصاهرة. ومن أبرز الأمثلة لذلك حركة الهجرة الاستيطانية الكبرى من بلاد اليمن إلى شمال شبه الجزيرة العربية وإلى منطقة عمان وجبال ظفار في أعقاب انهيار سد مأرب.