يفحصُ هذا الكتاب عن موضوع الهُويَّة في شعر الجيل التسعيني العراقي, وقبل الخوض في هذا الموضوع, لا بد من الوقوف عند حدِّ العنوان, لنؤسس بذلك للمفاهيم التي التي سننطلق منها, فالهوية مفهوم متشعبٌ, تتداخل فيه علوم مختلفة, كالفلسفة وعلم النفس, والانثربولوجيا, وعلم الاجتماع… وغيرها, وكلٌّ يعطي حدّه الاجرائي لتطبيقاته الخاصة. وبما أن النقد الأدبي أصبح جزءًا من المنظومة الفكرية؛ منفتحٌ على العلوم الأخرى, لذلك أخذت مفاهيم الهوية والأنساق الثقافية وما بعد الاستعمار والايديولوجيات وغيرها تتداخل في حيثياته و منهجياته. وهنا ينبثق سؤال, كيف يمكن للشعر أن يكشف الهوية؟ ولاسيما أن الشعر قائم على التخييل والرمز والانزياح… وأداته اللغة التي تطّردُ عند الشعراء. وهذا ما سيقوم البحث بإيضاحه.
فالهوية كلمة تدل على ماهية الشخص أو (الشيء) كما هو في الواقع بخصائصه ومميّزاته التي يعرف بها, فهي خصوصيّة تاريخيّة و لغويّة و دينيّة وفكريّة وثقافيّة وقيميّة تساهم في نحت ملامح هويّة خاصّة تتميّز عن بقيّة الهويّات الأخرى, وهي في الشعر تنبثق من الرموز والايحاءات التي يبثها الشاعر في نصه, وهنا ثمة علاقة بين الشعر والهوية؛ فكلاهما قائمان على الرمز الذي يُنشئ دلالاته في الواقع, وثمة التقاء آخر هو التواصل؛ فالهوية تقوم على فكرة التواصل؛ لأنها تقوم على ارساء التفاهم بين المجموعات المشتركة, كذلك الشعر بوصفه رؤيا العالم يحاول أن يكشف سمات الذات ومحاكاتها للمجتمع.