عندما نتحدث عن الأدب في عصرِ من العصور، فهذا يعني أننا نتحدث عن عينة من النشاط الأدبي والتفكير الإبداعي، في إطار زمني محدد، تتمثل فيه منظومة من المفاهيم والأسس الفلسفية والجمالية التي عملت مجتمعة على رسم صورة الأدب وخصائصه في هذا العصر، على كافة مستويات واشكال النشاط الأدبي والممارسة الإبداعية.
فعصرنة الأدب وتقسيمه إلى عصور:(جاهلي،إسلامي،أموي،أندلسي، عباسي، حديث، معاصر) ومن ثمّ الى اتجاهات:(قديم،حديث) جاءت مستندة الى معايير عدة، منها ما يتعلق بمفاهيم الأدب وشروط ومعايير الممارسة الإبداعية في كل عصر، ومنها ما يتعلق بقضايا موضوعية متصلة بطبيعة الأدب واتجاهاته، ومنها ما هو مرتبط بجوانب فنية وتقنية هي أساس أدبية الأدب في كل عصر، فالأدب شكلاً وممارسة يأخذ مفهومه وأبعاده وتتشكل هويته من طبيعة وفلسفة العصر الذي يعيش فيه، ومن الجهاز الثقافي والمعرفي الذي يقود حركة النشاطات الادبية ويحدد اتجاهات في ذلك العصر، إذ نلاحظ أن الأدب في العصور التقليدية القديمة،يختلف موضوعياً وفنياً، بل وعلى مستويات واشكال الكتابة الأدبية، عنه في العصر الحديث والمعاصر، فقد حقق تطور مفهوم الأدب وآلياته واشكاله،في العصر الحديث، وفي ظل النظريات والاتجاهات الجمالية والنقدية الحديثة، تحولاً نوعياً شاملاً وأحدث تغييراً واسعاً في كثير من المفاهيم والمعايير الأدبية التقليدية التي كانت سائدة من قبل، لا على مستوى الأدب العربي، فحسب، بل على مستوى كل الآداب الانسانية شرقاً وغربا، فموضوعات واغراض الشعر العربي في العصور القديمة:(هجاء، مديح، ورثاء، وغزل، وزهد ووو) لم تعد حاضرة اليوم ضمن موضوعات واغراض الشعر العربي الحديث، فقد توارت عن المشهد الشعري الحديث، لتبرز أغراض وفنون واشكال شعرية جديدة مستمدة من واقع العصر وتحولاته الشاملة، ومن طبيعة حركة المجتمع وجهازه الثقافي والمعرفي الحديث، كما أن الشكل الشعري الأحادي (العمودي ) الذي كان سائداً،لم يعد اليوم صاحب السلطة المطلقة، ولم تعد نظرية (عمود الشعر) هي معيار الشعرية والفحولة الأمثل، فقد أفرز العصر الحديث عدداً من أشكال التعبير الشعري الجديدة، وظهرت نظريات جمالية ونقدية حديثة تجاوزت (عمود الشعر)وقدمت مفاهيم ومعايير حديثة فيما يتعلق بالشعرية وأدبية الأدب.