إن أدب اليمن واحد من الآداب الإقليمية التي لم تحظ باهتمام الدارسين إلاَّ من عهود قريبة، ويبدو أن جانبًا كبيرًا من هذا الإعراض كان سببه تشتت جزء كبير من مخطوطات التراث الأدبي بين المكتبات الخاصة في الداخل، والمكتبات العالمية في الخارج، الأمر الذي جعل الباحثين يحجمون عن الخوض في مسالك غير معلومة، وطرق غير مرسومة.
إلاَّ أن العقود المتأخرة قد شهدت محاولات عديدة لاستكناه حال الشعر في إقليم اليمن في عصوره القديمة والمتوسطة، منها الكتب التاريخية، ومنها الرسائل العلمية، وهي محاولات تتفاوت من حيث جديتها ومستوى شموليتها وإحاطتها بالموضوع المدروس.
أما الدراسات الأدبية التاريخية، ومثلها عدد من الباحثين، فكانت أقرب إلى الاستعراض التاريخي العام للأدب، أو انتخاب أعلام من الأدباء والشعراء من كل عصر، دون الاهتمام باستقصاء المادة الشعرية التي تكفي لرسم صورة واضحة للحركة الشعرية في اليمن في العصور المختلفة، وقد لفت انتباه الباحث أن أكثر مؤرخي الأدب اليمني لا يتوقفون كثيرًا عند أدب القرن الخامس الهجري وعدة قرون من بعده، ويكتفون بالتعريف بأبرز الأعلام الأدبية مع إيراد أمثلة شعرية أو نثرية قليلة، الأمر الذي وجه ذهن الباحث إلى التفكير فيما إذا كان في تلك المرحلة المذكورة من الشعر ما يحتاج إلى إظهاره إلى النور.
ثم انحصر تفكير الباحث في القرنين الخامس والسادس الهجريين حين وجد باحثا، وهو أحمد إبراهيم عبد الله القديمي يدرس (اتجاهات الشعر العربي في اليمن حتى نهاية القرن الرابع الهجري) وآخر، وهو أحمد بن حافظ أحمد الحكمي، يدرس (الشعر اليمني منذ بداية الحكم الأيوبي لليمن إلى نهاية الحكم التركي الأول سنة 1045ه) فقوي بذلك عزم الباحث على الخوض فيما أعرض عنه الآخرون، فشرع في البحث في المصادر المخطوطة والمطبوعة، فأسفر ذلك عن قناعة راسخة بأن في القرنين المذكورين من الشعر والشعراء ما هو جدير بالبحث والدراسة، ولأن التداخل بين الأحداث السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية كان واضحًا في المدة ما بين أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع، فقد مد الباحث مرحلة الدراسة إلى نهاية الربع الأول من القرن السابع، وهي المدة التي انتهت بزوال الحكم الأيوبي وقيام الدولة الرسولية..