هذا الكتاب الذي يتحمل مؤلفه الدفاع عن عنوانه الفنطازي، ومهمة إيضاحه، لأنه قد يثير أسئلة وقد يَشْكُلُ فهمه، وجهداً صحفياً مضنياً، أبتعد عن الدرس الأكاديمي، بقدر ما أقترب من نبض الشارع، بحيث جعل صديقي الدعمي اشبه في رجل أمن يسمع ويرى ويتلصص على كل شيء، ثم لا يذهب بتقريره في نهاية الدوام الرسمي إلى الدائرة، وإنما يقصد الناس، يذيع عليهم ما أكتشفه في مشواره المتعب من مؤمرات وفضائح، تاركاً لهم الحكم، ثم يرفع يديه إلى السماء قائلاً: الهم إني بلغت..
هكذا إذن خرج المؤلف من دائرة الخاص إلى العام، فهو لم يمنع نفسه من لقب الكاتب الاختصاص في مشكلات البلدان النامية مثلا، أو محللاً نظرية رأس المال أو قارئ كف للربيع العربي، أو فقيها من فقهاء الرياضة، بل حاول الإقتراب من هذه العوالم مجتمعة، بقليل من المحاذير الأمنية، وكثير من الأمانة الصحفية….مثلما خرج الكتاب من التعامل مع لون واحد، إلى التعامل مع الألوان جميعها، فهو ينتقل من موضوع إلى آخر، على وفق ما تسدد عليه الحالة وبتعبير أدق يساير الحياة اليومية بتفاصيلها وتناقضاتها وغرائبها، لذلك يقترب من الهم الآني أحياناً، والمستقبلي في أحيان أخرى، وهذا الإقتراب ليس حكراً على غياب الخدمات مثلا، وإنما على كل شيء، إلى الحد الذي بتدوينه بعض ((الكتابات)) وكأنها زاوية في جريدة أو مجلة تعنى بشكاوي المواطنين وايصال تذمرهم إلى المسؤول، غير أن المؤلف سرعان ما يحلق بعيداً عن هذا التأطير، أو هذه التهمة الحصرية ليقترب من الهموم السياسية، الذي تبدو فيه بعض الكتابات، وكأنها بقلم محلل سياسي، أمضى ثلاثة أرباع عمره في أروقة البلاط الملكي أو القصر الجمهوري أو المنطقة الخضراء، وأطلع على أسرار الكبار و( نواياهم) لأنه يناقش ويجتهد ويقدم أدلة ومعلومات لا تتوافر إلا لدى ذوي القربى من أصحاب القرار السياسي في البلاد، وقبل أن ننخدع بمهارة المحلل السياسي أو يأخذنا الوهم أن الدعمي حفيد هنري كيسنجر، أو أن السيدة مادلين اولبرايت هي عمته بالتبني، يأخذنا قبل أن يرتد الطرف إلينا إلى قضية أخرى وأخرى…اقتصادية أو تربوية أو رياضية أو اجتماعية…. الخ.