كانت الحضارة الإسلامية في الأندلس التي استمرت زهاء ثمانية قرون مصدر إعجاب العالم آنذاك بصفة عامة، ومصدر إعجاب وافتخار العالم الإسلامي بصفة خاصة؛ نظرًا لأن المسلمين منذ فتحهم لبلاد الأندلس حملوا على عاتقهم مشعل الحضارة الإسلامية، مما أدى إلى أن أصبحت الأندلس في ظل الحكم الإسلامي لها من أهم مراكز العلوم والآداب والفنون.
عاش أهل الأندلس في ظل الحكم الإسلامي أزهى فترات التاريخ الإنساني خاصة في العهد الأموي؛ نظرًا لإدراك بني أمية منذ أن وطئت أقدامهم أرض الأندلس أنه لا سبيل إلى قيام دولة قوية تسطر في صفحات التاريخ بحروف من نور، وتُنافس في عظمتها دولة بني العباس في المشرق، وفي الوقت نفسه تعيد مجد أجدادهم الذى زال في المشرق وتوطد له في الأندلس إلا عن طريق الاهتمام بالعلم وأهله ومؤسساته؛ لذلك أولوا جل عنايتهم وجهدهم للاهتمام بهذا الجانب من الجوانب الحياتية للمجتمع، مما أدى إلى أن أصبحت المدن الأندلسية خاصة قرطبة تُنافس في عظمتها وازدهارها المدن الإسلامية الكبرى مثل بغداد، والإسكندرية، والقيروان؛ بل أصبحت الأندلس أحد المعابر الرئيسة لعبور الحضارة الإسلامية إلى العالم الأوربي آنذاك.
ظلت الحضارة الإسلامية بعد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس تترنح ما بين صعود وهبوط حتى سقطت مدن الأندلس بأكملها، ولم يبقَ منها إلا مملكة غرناطة التي ظلت قائمة زهاء قرنين ونصف من الزمان في ظل حكامها من بني نصر (بني الأحمر)، فتحملت هذه المملكة باعتبارها آخر معاقل المسلمين في الأندلس أمانة حمل مشعل الحضارة الإسلامية، وذلك على الرغم مما كان يحيط بها آنذاك من الخطوب؛ نظرًا لإحاطة العدو القشتالي بها من كافة أركانها، وتضييقه الخناق عليها متربصًا بها حتى تحين الفرصة للاستيلاء عليها شأن باقي المدن الأندلسية.
وقد تم في هذه الدراسة إلقاء الضوء على جانب من الجوانب الحضارية التي ازدهرت في مملكة غرناطة وهي “الوراقة والوراقون ومجالس الأمالي ودورها في إثراء الحياة العلمية (635-897هـ/ 1238-1492م)”.