يضمُّ هذا الكتاب مجموعة دراسات عن الأردن المعاصر، وهي تعالج قضايا مفصلية في شأن الدولة الأردنية والمجتمع، وهي تقوم على فرضيات عدّة، تتصل بالكيفية التي أرّخَ بها الأردنيون لبلدهم، وما طبيعة الاستجابة الأردنية للحرب الكبرى 1914-1918 والموقف من الثورة العربية، ثمّ كيف تشكّلت الحركة الوطنية وما طبيعة مواقفها وعلاقتها ونظرتها إلى السلطة الناشئة آنذاك.
ليس في هذا الكتاب نبذٌ للتاريخ المتعارف عليه، بل محاولة للتفكير بصورة مختلفة، أو التعويل على وجود فروق في الكتابة والـتأويل، أو حقائق مُغايرة لما تواضع الناس عليه وما عرفوه وما تداولوه، نتيجة للإقرار الجمعي، أو التوافق، أو التجاهل الذي جعل الناس يرون أن تاريخهم بدأ العام 1921 مع تأسيس إمارة شرق الأردن، وأن ما قبل ذلك يشكل موروثاً ينتمي إلى دولة الخلافة.
كلّ ذلك لا يتجاهل حقيقة جليّة، مفادها أن الحكم في الأردن لم يشأ صناعة تاريخ خاص به، لكن تطور المؤسسات الأيدولوجية التابعة له؛ المعاهد والمدارس والجامعات والمنتديات، مع جهود المؤرخين “النظاميين”، أي غير المستقلين والطامحين إلى المواقع والوظائف العليا، جعل التاريخ الشعبي وبعض الحقائق وقصة الناس، منسية وغير موثقة إلى حدٍ بعيد.
هذا الكتاب محاولة لتوثيق الأسطوغرافيا الأردنية، في ظل جدل الراهن والذاكرة التي نعيش، وهو بحوث أعدّت لمناسبات علمية في المؤتمر الدولي للدراسات التاريخية، الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات في بيروت، وفي غيرها من المناسبات العلمية، وقد استندت إلى معاينة الجهود الكاتبة للتاريخ وإلى مصادر التاريخ ومدوناته.
وهو يأتي في ظل تعدد المساهمات الراهنة عن تاريخ الأردن، والطفرة الوثائقية وكتابة المذكرات، والتي لم تعد حكراً على المؤرخين، فالإسهام التاريخي اليوم نجده متعدداً، ومختلفاً، يشارك فيه الساسة ورجال الحكم والقادة العسكريون. لكن السؤال: كيف يُستدعى التاريخ وكيف يوظف؟