إنَّ المعلومات المتوفرة حول ظهور المعتقدات الدينية في حياة الإنسان تعود إلى حِقبة سحيقة القِدم يُرجعها المختصون إلى تسعين ألف سنة خلت، وعلى الرغم مِن هذه المدة الزمنية إلا أن التنقيبات الأثرية لم تكشف حتى الآن عن ظاهرة بنائية ذات طابع عقائدي خاص ودور وظيفي محدد، إلا في حدود منتصف الألف الخامس قبل الميلاد في الجزء الجنوبي من العراق القديم. وأن وجود المعبد منذ ذلك التاريخ يدل على أن الجزء الجنوبي قد أحتوى مجموعة بشرية تحمل أفكاراً دينية أدى وجودها وانتشارها إلى ظهور المعبد والذي تؤكد أقدم نماذجه المكتشفة إن فكرة البناء لم تتأثر بأبنية ذات طابع طقوسي اكتشفت سابقاً في الجزء الشمالي من العراق، وإنما هو نتاج خالص مرتبط بنجاح المعتقد في بلورة أفكارٍ وأساليب جديدة تعبر عنه. وكان للمعبد منذ نشوءه أسهاماً حضارياً كبيراً وغدا يمثل مؤسسة إدارية أسهمت في تنظيم المجتمع الذي وجد فيه.
لذلك كانت المعابد من أبرز المباني المشيدة في العراق القديم واحتلت النسبة الأكبر من نماذج الأبنية العامة المكتشفة خلال التنقيبات الأثرية، فبحكم الوازع الديني انتشر العديد منها في جميع مدن العراق القديمة حتى بلغ عددها المئات وعكست الكتابات القديمة عناية واهتمام الملوك والحكام بعمارتها، بوصفها بيوت الآلهة على الأرض، ورغبة منهم في إرضائها.
إن العمارة الدينية بكل سماتها لم تأتِ من فراغ بل هي تعبير عن فلسفة روحية وجدت حيزها المادي ضمن إطار البناء الديني، وتُعد التطبيق الفعلي والتجسيد الفكري للمعتقد والذي انعكس مادياً على شكل خصائص تخطيطية وعمارية ميزتها عن باقي أصناف المباني الأخرى. وإن التنقيبات الأثرية التي أُجريت في أبنية المعابد والزقورات أتاحت تحديد عدد من الخصائص المميزة لها بالاعتماد على مخططاتها ومقارنة الأنظمة العمارية المتبعة في إنشائها وتقويتها، وغدت هذه الخصائص من سمات عمارة المعابد وأكتسب وجودها صفة الثبات، وساعدت المنقبين والباحثين كثيراً في الاستدلال على طبيعة البناء وتمييز بناية المعبد من بين الأبنية المحيطة به من جانب، وتتبع مراحل تطوره من جانب آخر.