إن غياب المعتزلة عن ساحة الفكر والسياسة مدة تزيد عن عشرة قرون وذلك بفضل الخليفة العباسي القادر بالله والذي أعلن وثيقته القادرية سنة 408 هـ والتي تضمنت استتابة المعتزلة لترك الاعتزال أو النكال، وما تلاها من تقتيل وتشريد لأهل العدل والتوحيد، فُتح الباب على مصراعيه للنيل من الفكر الحر وأهله، وبعد طمس علومهم وحرق مصنفاتهم خرجت الأقلام المسمومة تولول وتأول أفكار ومفاهيم هؤلاء القوم بما يشاؤون ويشتهون إرضاءً للحاكم الجبري وطمعاً في دراهم معدودة، ولم يظهر بعض نور أولئك المفكرين المظلومين إلا في عام 1951 ميلادية حين أرسلت وزارة المعارف العمومية المصرية بعثه إلى بلاد اليمن للبحث عن كتب التراث، هناك استطاعت البعثة من العثور على بعض مصنفات المعتزلة (مخطوطات) أمثال مصنفات القاضي عبد الجبار (شرح الأصول الخمسة) و (المحيط في التكاليف) و (المغني في العدل والتوحيد) و (طبقات المعتزلة) و (متشابه القرآن) و (تنزيه القرآن عن المطاعن) و (تثبيت دلائل النبوة).
وما زال الكثير من مصنفات القاضي وأقرانه مفقودة.
كان للعثور على التراث الاعتزالي أثر كبير في تصحيح الرؤية الاعتزالية، فقد أخذ الناس ولأول مرة يقرؤون مقالات المعتزلة من كتبهم، الأمر الذي أدى إلى وضع العديد من الرسائل الأكاديمية في المعتزلة، تحقيقاً لكتبهم أو دراسة لأفكارهم وعقائدهم وآرائهم، ما أمكن تصحيح صورتهم في أذهان الناس .
وعلى الرغم من ظهور سنا المعتزلة إلا أنه ما زال هنا وهناك أقلام ترشفُ سُماً من خيط خفي ممتد في التاريخ عاجزة عن التحرر من ربقة التقليد..