ينطلق موضوع هذا الكتاب من مقولة ( برغسون ) الفيلسوف الفرنسي الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1927 ، ومفادها : ان الفلسفة هي البساطة ولكن هذه البساطة لا يمكن التوصل اليها الا بعد مجهود شاق ، اذ يبدو الحديث عن الفاعل بسيطا بالوهلة الاولى ولاسيما عند اهل اللغة والناس العاديين ، فالتصور القائم في بساطة دراسة الفاعل يكمن في انه يأتي بعد الفعل او يشكل احد اركان الجملة الفعلية ، لكنه يصبح اكثر تعقيدا عند يكون محور الحدث الاتصالي وفلسفته التحليلية ، اذ وجدنا ان الفاعل بالحدث لا يمكن دراسته وتحليله بطريقة منفصلة عن العلوم الاخرى وفلسفتها للفاعل والفعل ، ذلك لان فلسفة الاعلام هي شريكة كل العلوم ، وان الفلسفة بمفهومها العام هي ام العلوم ، فكيف يتم التوفيق بين الفلسفة الشريكة لكل العلوم ( الفلسفة الاعلامية ) ، وفلسفة ام العلوم ( الفلسفة العامة ) ، أي ان تناول فلسفة تحليل الفاعل بالحدث في نطاق الفلسفة الاعلامية يعني دراسة فلسفة الفلسفة بعلومها المختلفة والمتداخلة فيما بينها احيانا ، اذ احتاجت دراستنا للفلسفة التحليلية للفاعل بالحدث في الخطاب الاعلامي الغوص بشكل معمق في السرديات السيميائية ولاسيما عند غريماس وبنيته العاملية، كما احتاجت الدراسة في هذا الموضوع الغوص في النظرية الاجتماعية وفلسفة الفاعل الاجتماعي واللسانيات الاجتماعية ، بل دفعتنا هذه الدراسة لتحديد الرؤى المتباينة في تفسير الفاعل وموقعه عند اهل اللغة العربية والتداولية ومدارس تحليل الخطاب ، ومدارس فلسفة اللغة وتحديدا فلسفة الفعل وفلسفة الحدث وفلسفة التعامل مع الحدث وصانع الحدث والمشارك فيه والمستفيد والذين يمثلون الفواعل في الخطاب الاعلامي
ان موضوع هذا الكتاب جاء منسجما مع دعوة الفيلسوف الفرنسي ريكور في مقاومة البحوث التي تهمل التركيز في الاجابة عن السؤال ( من ؟ ) وتركز على السؤال ( ماذا ولماذا ؟ ) ذلك لان اساس الخطاب الاعلامي ولا سيما الاخباري منه ينطلق من الاجابة عن الاسئلة الستة ( من وماذا وكيف ومتى واين ولماذا؟ ) ، وقد تصدرها في الترتيب الاول السؤال الخاص بالفاعل بالحدث ( من ؟ ) على الرغم من ان الاجابة عن هذا السؤال لا تكون منفصلة عن الاجابة للأسئلة الاخرى في الخطاب الاعلامي لان الحدث يعد ناقصا اذا فقد الاجابة عن سؤال واحد من هذه الاسئلة .
…