كانت الدولة الفاطمية في فترة من فترات التاريخ الإسلامي من اقوى دول المنطقة والعالم الإسلامي , وكانت تنافس ولفترة طويلة العباسيين في بغداد على منصب خلافة المسلمين وذلك بسبب الاختلاف المذهبي للدولتين حيث ان الفاطميين كانوا على المذهب الشيعي بينما العباسيين كانوا على المذهب السني وكان النزاع بين الطرفين قائم ولفترة طويلة من الزمان وحاول كل طرف القضاء على الأخر والانفراد بالزعامة الروحية للمسلمين .
الا انه مع نهاية القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي وبداية القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي بدأت بوادر الضعف والأنهيار تظهر على محيا الدولة الفاطمية في مصر
وكان هذا الضعف والاضمحلال يعزى إلى ضعف نفوذ الخلفاء الفاطميين بشكل كبير وبالمقابل زادت سلطة الوزراء الذين استفحلت قوتهم وتضخمت ثروتهم وأصبح في أيديهم أمر تعيين الخلفاء وعزلهم ، وكان بعضهم يؤثر اختيار أحد أمراء البيت الفاطمي الضعاف حتى يكون ألعوبة في أيديهم ، مما أدى إلى حدوث انشقاقات في الدعوة الإسماعيلية مذهب الدولة الفاطمية وانقسامها إلى فرق متضادة ومتناحرة فيما بينها .
كانت هذه الفترة من أسوأ الفترات السياسية في تاريخ مصر الإسلامي ، فقد أصبح الخليفة الفاطمي يشارك في مؤامرات و دسائس ضد وزرائه للتخلص منهم و ذلك لضعفه و عدم قدرته علي عزلهم بنفسه ، فنجد أن كل الأطراف كانت تتآمر ضد كل الأطراف , حتى وصل الأمر بالبعض أن يتقوى بالصليبيين ضد منافسه ، مما أدي إلي تحريك أطماع الصليبيين في الإستيلاء علي مصر .
وفي ذات الوقت الذي بدأت فيه الدولة الفاطمية بالضعف , كان هناك الدولة الزنكية أو الاتابكية في بلاد الشام والموصل وهي دولة قوية نشأت كامتداد لدولة قوية اخرى وهي دولة السلاجقة , وقد برزت تلك الدولة في التاريخ الإسلامي لدورها الجهادي في مواجهة الصليبيين والدفاع عن الدولة الإسلامية.
وكان نور الدين محمود والذي خلف أبيه عماد الدين زنكي مؤسس الدولة الزنكية كانت له رغبة كبيرة في ضم مصر إلى الشام وذلك طمعاً في خيراتها الوافرة من جهة , ولتقوية موقفه ضد الصليبيين من جهة اخرى , والذين كانت لهم كذلك مطامع في مصر وكانوا يسعون للسيطرة عليها لحماية اماراتهم التي اسسوها في المنطقة , وكان نور الدين قد نجح في توحيد معظم مدن و إمارات الشام تحت إمرته و أصبح يوجه للصليبيين ضربات موجعة.
وسوف نتناول في هذا الجزء تاريخ بداية تاريخ تلك الأسرة منذ قدومها من منظقة دوين إلى العراق وما قيل عن نسبها وابرز المحطات السياسية التي مرت بها حتى استقرت في بلاد الشام وتقربت من الدولة الزنكية وصار افرادها من ابرز قيادات تلك الدولة , وكذلك سوف نتناول وبالتفصيل الحملات الثلاث التي قادها أسد الدين شيركوه على مصر حتى تمكن من مسك زمام المبادرة والوزارة هناك , وقبل كل ما ذكرناه سوف نتناول الوضع السياسي في المنطقة وابرز الدويلات التي سبقت ظهور الدولة الأيوبية وكانت سبباً من اسباب ظهور الدولة الأيوبية