تيقن أعداء الإسلام حقيقة مهمة هي أن القرآن كان وسيبقى العامل الموحد لصفوف المسلمين والمعزز لوحدتهم، وخاصة بعد أن فشلت خططهم وآمالهم في النصر بالحروب الدموية والمؤامرات ؛ لذلك لجأوا إلى الغزو الثقافي والفكري، وكان في مقدمة استراتيجياتهم أن وجهوا الكثير من الشبهات إلى الدين الإسلامي فوصفوا القران الكريم والنبي الأعظم محمدا بأبشع الصور و أسوء التشويهات والتشنيعات في محاولة واضحة لإسقاطه والقضاء على المنجز الحضاري العظيم الذي أنجزه والدفعة الكبيرة التي قدمها لمسيرة الإنسانية نحو الكمال.
وساعدهم في ذلك – وهي مأساة كبرى – ما أقحم في التاريخ الإسلامي من أحداث ووقائع مدسوسة نتيجة الخلافات والصراعات السياسية التي عملت على خلق الأضاليل والروايات الواهية التي للأسف حفلت بها كتب الحديث والتاريخ الإسلامي، فعلى سبيل المثال لا الحصر روايات التجسيم والروايات الواردة بشأن الوحي ونزوله والروايات حول جمع القرآن وقصة الغرانيق وغيرها الكثير من الروايات التي عكست بلا أدنى شك صورة مختلفة ومشوهة عن الإسلام والمسلمين استند إليها أعداؤهم واتخذوها وسائل في ضرب معالم الأمة، لذا دارت مشكلة البحث حول الروايات الواهية والضعيفة التي كانت الأرضية المناسبة لنمو الكثير من الأضاليل ومهدت لظهور كثير من الشبهات عند المستشرقين في تعاملهم مع الدين الإسلامي بصورة عامة والقرآن الكريم بصورة خاصة، فكانت المهمة مناقشة هكذا روايات على وفق الأصول العلمية ومناهج البحث العلمي الرصينة وعلى وفق ما ارتآه علماء الحديث ودحضها ومن ثم تفنيد الشبهات التي أطلقها المستشرقون الذين اتخذوا الروايات الضعيفة دليلا ومنطلقا ومعتمدا في بث شبهاتهم.
وقد قيدنا الدراسة بتاريخ القرآن الكريم لسببين، الأول: ما للقرآن من أهمية في إثبات التشريع بصفته مصدره الإلهي، والثاني: إن هذا المحور- تاريخ القرآن – هو أهم ما توجهت إليه اهتمامات المستشرقين ودارت حوله الشبهات، لأنهم يدركون إن تم لهم تشويهه والنجاح في إسقاط هيبته وصدقيته انهارت ركائز الدين عموما.
وأهمية الموضوع تكمن في إقامة دراسة علمية تتناول تاريخ القران من مصادره الأصلية، تدفع عنه شبهات العادين والمشتبهين.