فان من أجلّ نِعَم الله على الإنسان أن يمنحه موهبة التفقه في الدين، ويدله على مسالك ذلك التفقه، ليلهمه الرشد فيما يقول وفيما يفعل، إذ قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ويلهمه رشده).
وقد تعددت الطرائق، واختلفت السبل في الوصول إلى فهم الأحكام التي جاءت بها شريعة الإسلام، إلا أن جميع تلك الطرائق تعود في تفصيلها وبيانها إلى اللغة التي نزل بها كتاب الله، ووردت بها سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، تلك هي لغة العرب التي أودع الله فيها من الأسرار البيانية ما جعلها تفي بكل ما يستجد من أمور في حياة المسلمين.
وهذا هو الذي حدا بالمسلمين ـ منذ العصور الإسلامية الأولى ـ إلى الاهتمام بهذه اللغة، وللوقوف على مكنوناتها وخفاياها، فشمروا عن ساعد الجد، وبذلوا للعناية بها قصارى جهدهم، ولاسيما أيام أن شعروا بأن الخطر يهدد كيانها بعد أن دخل في الإسلام من هم من غير العرب، فانتشر اللحن بين أبنائهم وباتت اللكنة اللسانية تنذر بضياع فصاحتهم وبلاغتهم.