يخطئ من يظن أنه قادر على القبض بعنان العالم الشعري لابن خفاجة الأندلسي بمجرد قراءة قصيدة أو حتى عشر قصائد من ديوانه ، ليس لأن ابن خفاجة صعب المراس و مراوغ و كفى ، بل لأنه يرفض تماماً أن تلتقي معه ، إنه يريدك أن تكون قارئاً دائماً لخطابه الشعري .
فهو ليس كما تعتقد أنك توصلت إلى معرفته ، إنه يهرب ما أن تقترب منه ، لكي تلتقي معه في موضع آخر غير الذي اعتقدت بأنك التقيت به فيه .
ابن خفاجة لا يسلِّم قياد نتاجه الشعري لأحد أبداً ، صحيح أنه يقودك إلى دلالات و صور و … لكنه يتركك ظمآناً … دائماً … لأنه هو كذلك لا يرضى بالشبع ، و لا يقتنع بما وصل إليه ، إنه ينفر من السكون إلى الارتجاج .
شعر ابن خفاجة ينزلق من بين يديك كالماء ، و ينزلق من عقلك كالزمن ، وهذا كله بسبب ثروته اللغوية . لقد شرخ اللغة العامة و كوَّن لغته الخاصة به عن غيره ، لدرجة جعلتني أقول فيه إنه لا يكتب باللغة التي يعرفها العرب في عصره ، بل إنه بذاته لغة أولاً و أخيراً …