إنّ رغبة البحث وفكرة الكتابة في موضوع من موضوعات الشعر العربي قبل الإسلام لم تكن رغبة عابرة في نفسي ولا فكرة طارئة علي ذهني، فقد خالجتني هذه الرغبة وساورتني هذه الفكرة منذ أن ابتدأت رحلتي في دراسة الأدب العربي، ومازلت أسبر أغوار هذا الشعر وأهجس أسرا ره، لأنه القمة الشامخة للشعر العربي، وإن صح القول المثال الأعلى والنموذج الأعظم من حيث جودة أسلوبه وحسن صياغته وسلامة لغته وصدق معانيه، وقد جعلته هذه المزايا مرجعا للشعراء العرب على مر العصور يحاكون بناءه ويستلهمون مضامينه ناسجين على منواله طلبا للجودة ورغبة في الكمال، فضلا عما تضمنه من أغراض نبيلة ومثل رفيعة استأثرت بطباع العرب فوحدتها سجايا وعادات تعارفوا عليها، وقيم ومثل تغنوا بها، وبذلك كان للشعر أن يغدوا أحد روافد الأمة للحفاظ علي سمات شخصيتها المثلى من الاضمحلال والزوال.