يتناول الكتاب قضايا الإنسان عند خليل مطران، فقد كان حريّا بنا أن نقدّم الدّوافع والعوامل الّتي أحاطت بمطران ليكون صاحب نزعة إنسانيّة موغلة، حتّى أنّ شعره قد وسم بهذه الصّفة عند كثير من الدّارسين والنّقّاد، وعندما نذكر الإنسان لا نقصد به الإنسان العربيّ أو الغربيّ، بل هو الإنسان المخلوق المكرّم من الله، المكلّف وصاحب الرّسالة، الّذي وهبه الله العقل ليختار جادّة صوابه بنفسه.
ولأنّ القضايا الإنسانيّة مشتركة بين المجتمعات بفعل اندماج الإنسان مع محيطه، لم ينظر مطران إلى الإنسان نظرة أحاديّة الجانب، ومن منطلق ذاتيّ أو عقائديّ أو قوميّ أو وطنيّ، بل أجمل كلّ الاتّجاهات في بوتقة واحدة، وصبّ اهتماماته على الإنسان وما يتعلّق به، وهو بهذه النّظرة يحطّم نظريّة الزّمان والمكان، ويستبدلها بنظريّة الإنسان.
وعلى هذا فإنّ القضايا الإنسانيّة المتعلّقة بالكائن البشريّ كالفقر والجوع، والحزن والأسى، والظّلم والاستبداد والقهر، والاعتداء على الشّعوب باسم آلة الحرب، وكلّ ما يقضّ مضاجع الإنسانيّة، قد كانت تحت المرصد المطرانيّ، ومنها انطلق في عالمه الإنسانيّ يكتب أشعارا على ضوء الانعكاسات المنبعثة من مشاعر وأحاسيس إنسانيّة.
وقد شاء القدر لمطران أن يكون زعيماً من زعماء الفكر، ورسولاً من رسل الوجدان وداعية إصلاح وإيمان ومحبّة، فكان نتاجه الشّعريّ باعثا على ردم الهوّة بين القديم والجديد، ليجعل من شعره نموذجا مشتركا في الحداثة والقدم، وجسرا يعبر عليه الشّعر العربيّ من المدرسة المحافظة إلى المدرسة المتحرّرة، ويكون حلقة في دوائر ما زالت تتوالد وتتكاثر حتّى يومنا هذا. اسم المؤلف: د.عاطف خلف العيايدة