يتميز الدرس التناصِّي بصفات مهمة، قادرة على سبر أغوار النصِّ والتغلغل إلى مفاصله، والشاعر؛ البردوني لم يحض بدراسة من هذا النوع، فالمتحسس لهذه الظاهرة، يدرك الغنى التناصِّي في شعره، الذي يستحق التوقف عنده بالبحث والدراسة والتحليل، وإن أشارت بعض الدراسات الأكاديمية بإيماءات ـ لاتغني عن تناول الظاهرة على نحو متخصص، في شعره ـ في هذا الكتاب ستتجه الدراسة إلى استبطان نصوص البردوني واستنطاقها من خلال كشف علاقات تقاطعها مع النصوص السابقة، لها وربط تلك العلاقات بالنص الكلي، وعلاقته بالمتناص معه، وهو المحور الذي تدور حوله الدراسة بشكل رئيس، معتمدين في ذلك على التناص نفسه، لابوصفه منهجا إجرائيا وحسب، ولكن بوصفه ممارسة إنتاجية، ولانعني بالإنتاجية العنكبوت التي تذوب في الإفرازات البنائية لنسيجها لأن ((فهم الإنتاجية كإنتاجية تهديمية وإلغائية وماحية للذات لا تؤدي إلى تصور للنص الأدبي)) ((بمعنى أننا قد صرنا ندرك الذات بوصفها منتِجا للنص وناتجا عنه، أو قائلا له ومقولا فيه ـ ومن ثم، بوصفها انبناءاً لا بنية، وتشكلا لا شكلا، وتخلقا لا خلقة)) ومادام للنص بنيتان: بنية سطحية، وبنية عميقة فإن الإجراء سينطلق من البنية السطحية باتجاه البنية العميقة، ولا تتكشف الثانية إلا بواسطة الأولى، متجهين نحو الأبعاد اللا شعورية للرموز المكونة لنسيج النص الكلي الذي يمثل محور الدراسة.