موضوع الكتاب يتناول صفحة مشرقة من صفحات المجد التبشيري للإسلام وللمسلمين وفيه الصورة الناصعة والتضحيات الإيمانية والأهداف الموحدة لهم، ومن هنا جاءت الصفة العامة للأنظمة الإسلامية المشتركة للتوغل في البلاد الأوربية، التي نهضت فيها جهود إسلامية في دول الأندلس وشمال أفريقية ومركز الخلافة العباسية(132-656هـ/749-1258م) في بغداد، فضلاً عن الجهود الفردية للمجاهدين والمغامرين المسلمين المستقرين بعد الفتح للبلاد الأوربية.
بدخول المسلمون عالم البحر المتوسط، كان البحر إلى جانب البر طريقهم في الوصل إلى البلاد الأوربية.
لقد استدعت حياة البحر عند المسلمين بناء دور صناعة للسفن في بلاد الشام وتونس ومصر والأندلس، وكانت المهارة الموروثة عند المصريين والشاميين، وأساليب التدريب قد حققت صناعة متقنة للسفن الحربية بأنواعها وباختلاف أسلحتها، كما استدعت ضرورات التطور اختراع الأسلحة التي تواجه النار الأغريقية السلاح الخطير للأسطول البيزنطي المعادي.
وثمة مسألة جديرة بالاهتمام وهي أن العرب المسلمين مع حداثة خبرتهم في الحروب البحرية غير أنهم أتقنوا أسباب النجاح فيها وهم يواجهون دولاً لها باع طويل بالحروب البحرية كالإمبراطورية البيزنطية ودولة الفرنج وحلفائهم، فضلاً عن المدن الإيطالية ذات الشهرة التجارية.
ومن أسباب النجاح عند العرب في الحروب البحرية، عدا ما أشرنا إليه بخصوص جودة الأسلحة وتفرعها والمهارة القتالية، أنهم أولوا اهتماماً كبيراً للموقع ودوره البارز في تحديد المنتصر من خلال الخطط المناسبة.
وانطلاقاً من هذه الضرورة قرر المسلمون بسط نفوذهم، ما أمكنهم ذلك، على الجزر المتوسطية المنتشرة في عرض البحر في جهاته الشرقية والغربية والوسطى.
لذلك تعامل المسلمون مع هذه الجزر منذ السنين الأولى لفتحهم لبلاد الشام والشمال الأفريقي والأندلس، وصيروا من هذه الجزر محطات للتموين أو للمشاركة في الفتوح الأوربية، فيما استقر بعضهم في بعض الجزر وأقاموا نظماً سياسية تربطها مع مراكز بغداد أو الشمال الأفريقي أو الأندلس، كانوا عوناً لهم في الحملات على أوربا، أو أن هؤلاء المستقرين كانوا يبادرون في التوغل بالبلاد الأوربية تطوعاً وجهاداً، وقد أثمرت حملاتهم هذه ، بإحكام سيطرتهم على الممرات الجبلية وبناء الحصون والقلاع.