يعد الكتاب حصيلة اهتمام بدأ عند الباحث منذ مراحل دراسته الاولى بالحركات المجيئية المسيحية والفكر العقائدي والفلسفي الذي قدمته عبر العصور وكيف أثرت وتأثرت بالحركات والاديان والمذاهب الاخرى، وبطبيعة الحال فان البحث عن مستقبل اكثر سعادة و مثالية للجنس البشري كان من صلب اهتمامات الاديان العالمية الرئيسة والتي في مقدمتها الديانة المسيحية، وبدا الاختلاف واضحاَ منذ العقود الاولى التي تلت انتشار الدين المسيحي عما اذا كان ملكوت الله قريباً أو انه سيحل في مدى زمني غير معلوم بالنسبة لاحد، وكان البحث يجري باستمرار حول النبوءات التي وردت في العهدين القديم والجديد ومحاولة تفسيرها في كل مرحلة تاريخية بالشكل الذي يدعم فكرة المجيء الثاني ويمهد الطريق للإيمان بحلول عصر من الرخاء والعدل والسلام ولقد تنوعت الحركات والاتجاهات والمدارس التي اهتمت بهذه العقيدة والتي كرست جل نشاطها من اجل الاعداد لمرحلة تاريخية قادمة تكون استهلالاً لتحول في العلاقة بين السماء والارض فكانت الحركة الالفية من ابرز الحركات والمدارس التي عنت بهذا المعتقد ولقد انقسمت زمنياً إلى اربع مراحل اساسية تجسدت المرحلة الاولى في الرؤى والنبوءات التي مرت بها التقاليد الدينة اليهودية والمسيحية اي تلك التي انحصرت بين عامي 200 قبل الميلاد حتى العام 200 بعد الميلاد، واما المرحلة الثانية فهي المرحلة التي برزت فيها جملة من التفسيرات والكتابات الخاصة بوجود عصر الفي سعيد وتمحورت حول كتابات عدد من اباء الكنيسة الكاثوليكية والذين هيمنت طروحاتهم وافكارهم في تاريخ المعتقد الخاص بالمجيء الثاني حتى القرن السابع عشر.
واما المرحلة الثالثة والتي تطورت وانتهت اليها الحركة المجيئية فقد شهدت تحولاً عن الافكار والمعتقدات التي جاء بها اباء الكنيسة الكاثوليكية والاتجاه نحو الايمان بتحقيق عصر الفي على نحو فعلي وحقيقي وليس على نحو الرمز ولقد بقيت رؤى وطروحات هذا الاتجاه سائدة حتى مطلع القرن العشرين ومن ثم برزت مدارس حديثة كانت بمثابة اعادة تفسير لنصوص العهدين القديم والجديد ورد فعل على جملة من الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي حصلت في المجتمعات الغربية واضحت بمثابة استجابة لمآسي ومشاكل الانظمة السياسية الحديثة والازمات الاقتصادية التي عصفت بالمجتمعات الرأسمالية في مطلع القرن العشرين، فكانت هذه الحركات بمثابة نذير متشائم لأوضاع الحاضر وتمهيداً لاقامة عصر الفي سعيد قادم.