تعد الرسائل الجامعية من أهم مصادر المعرفة الإنسانية في العصر الراهن, إن لم تكن الأكفأ على تقديم معرفة علمية موثقة؛ نظرا لصرامة شروطها وكثافة الإجراءات والمعايير التي تنتج في ضوئها. ولا يٌنكر ما اطلعت به الرسائل الجامعية المشتغلة في حقل الإبداع الأدبي من دور متميز حررت من خلاله الخطاب النقدي من شرنقة الانطباعية والتأثرية, وأسهمت في تطوير أدواته وصقل إجراءاته, ونقلته إلى واقع الممارسة العلمية باشتراطاتها الأساسية من المنهجية، والوضوح النظري, ودقة اللغة الواصفة, والقابلية للتحقق والإثبات والبرهنة, فضلا عما يمكن أن تتمتع به من طموح للتجديد، والقدرة على التعمق في المعالجة والتحليل، والجرأة في محاورة النصوص وسبر التجارب الإبداعية واكتشاف معطياتها.
ويأتي المنهج في طليعة العناصر التي أكسبت الخطاب النقدي الجامعي حضوره الفاعل وطابعه العلمي, كونه – أي المنهج – الأداة القادرة على بلورة الأهداف, وتحديد المنطلقات, وتأطير الأفكار بشكل جلي واضح. ولأن المنهج ليس كلا واحدا؛ فهو معرفة (( مفاهيم, نظرية, مرجع)), وهو علم ((شروط العلم)), وهو طريقة تعامل (( إجراء, أسلوب, خطة))؛ فإن فاعليته في الرسائل الجامعية لا تتحقق بمجرد إعلان الباحث عن اعتزامه الاستعانة بهذا المنهج أو ذاك, مالم يردف ذلك فهم شمولي يتمثل المنهج باعتباره منظومة متكاملة, تبدأ بوعي الخلفية النظرية المؤطرة له, والرؤية المحددة لخصوصيته ووظائفه والأهداف المرجوة منه, وتنتهي باستيعاب إجراءاته النقدية وأدواته التحليلية.