ان السيرة النبوية الشريفة على صاحبها افضل الصلاة وأتم التسليم، بحر واسع كثر فيه الخائضون، إلا أنه كلما أراد أحد الكتابة بها يجد انها لا تزال بحاجة الى إشباعها بالبحث بكل جوانبها، ومما لا شك فيه ان تفسير القرآن الكريم والسيرة النبوية مرتبطان أحدهما بالآخر، فقلَّ ما نجد كاتباً يكتب بالسيرة النبوية دون ان يستشهد بالقرآن الكريم وقد دلته كتب التفسير الى ان هذه الآيات تتحدث عن السيرة النبوية، فالقرآن الكريم لا يخلو من ذكر أحداث السيرة النبوية فنجد ما جاء اسمه صريحاً به مثل غزوة بدر، والغار، وبيعة الشجرة… ومما لا بد منه ان نرجع الى كتب التفسير لنستدل ان هذه الآيات تتحدث عن السيرة النبوية، فالقارئ للقرآن الكريم دون الرجوع الى كتب التفسير في بعض الأحيان لا يدرك ان هذه الآيات نزلت في شيء من احداث السيرة النبوية.
ومن هذا المنطلق عمدنا الى استنباط السيرة النبوية من كتب التفسير التي هي مرتبطة ارتباطاً كلياً بالقرآن الكريم والذي هو المصدر الأساس لكتابتنا ولم نعمد الى جميع كتب التفسير للبحث فيها والكتابة منها لكثرتها وتنوعها واختلاف أساليب مفسريها ومناهجهم والأزمنة التي كتبوا فيها، ولأن الموضوع بهذه الحالة سيحتاج الى وقت أطول، لذا أخترنا أثنين من أهم كتب التفسير وهما تفسير القرآن العظيم لابن ابي حاتم (ت327ھ/938م)، وتفسير معالم التنزيل للبغوي (ت516ھ /1122م)، للمقارنة فيما بينهما بما أحتوى تفسيريهما من روايات للسيرة النبوية، وقد يسأل سائل لِماذا أخترنا كليهما من المشرق، ولم نعمد الى اختيار مفسر من المشرق وآخر من المغرب كما هي العادة في أي مقارنة، فيجدر بنا هنا ان نشير الى انه بالإمكان ان نقارن بين مفسرين من المشرق لاسيما وإن عصر المفسرين مختلف ومنهجهما كذلك، فقد عاش ابن ابي حاتم في منتصف القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع(240ھ-327ھ)، اما البغوي فعاش في معظم القرن الخامس الهجري وبداية القرن السادس(433ھ-516ھ)، ولكل منهما اسلوب مختلف في تفسيره وهذا هو المطلوب في البحث ان نجد وجهاً للمقارنة بينهما.