حرَّمت الشريعة الإسلاميَّة الخمر لذاتها، لأنَّها تُطفئ نور العقل، وتعوق حركته، إذ تجعل الإنسان ينطلق من الضوابط، ويقتحم الشر من أبواب عدَّة، وقد تدفعه نحو الجريمة فيقتل، ويزني، ويسرق، ويعبث، ويهدُر كرامته ومروءته في غياب العقل، الذي هو أجلّ نعمة أنعم الله بها عليه، وميَّزه بها عن سائر مخلوقاته، وقد حذَّر الرسول (صلى الله عليه وسلم) من الخمر بقولِه: “لا تشربوا الخمر، فإنَّها مفتاح كلّ شر”.
ولا شكَّ في أنَّ العلاقة واضحة وثابتة – لا يمكن لأحد أنْ يُنكرها – بين تأثير المواد المُسْكِرَة على سلوك الأفراد الذين يتعاطوها، وبين نزوعَهم نحو الجريمة؛ فما تُحدِثه المواد المُسْكِرَة من تأثيرٍ على الوظائف العقليَّة والذهنيَّة، يُسبِّب اضطراباً في التفكير، وضعفاً في القِدرة على ضبط الإرادة، واختفاءً للشعور بالمسؤوليَّة الخُلقية، ويُساعد ذلك كلّه الشَّخص على ارتكاب جرائم تمسُّ أرواح الناس ومُمتلكاتهم، ذلك أنَّ من الشواهد الدالة على ذلك حالياً الارتباط الوثيق بين أغلب الجرائم خطورة، وتلك التي يتَّسم فيها سلوك متناوِل المواد المُسْكِرَة بالشدَّة والعنف، وبين الإسراف في تعاطي هذه المواد المُضِرَّة.
ومن أجل تناول الموضوع دراسة متأنيَّة، سنتناول ذلك في قسمين، سنتناول في الأوَّل منهما بيان مفهوم السُّكْر في القانون الوضعي والشريعة، وسنبين في القسم الثاني بيان أثر السُّكْر على المسؤوليَّة.