تعد دراسة العلاقات الخارجية لأية دولة من الدول من المواضيع المهمة والشيقة في آنٍ واحد ، لأنها تعكس حالتي القوة والضعف للدولة وتبين استقلالية الدولة أو تبعيتها ومدى تأثيرها وتأثرها بالدول والقوى المحيطة بها .
إن دولة الغساسنة لم تحظ بالدراسة العلمية الدقيقة والشاملة لها على الرغم مما لعبته هذه الدولة العربية من أثر في حياة العرب عامة والعلاقات الدولية خاصة بين أكبر قوتين دوليتين هما الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية ، كما كانت لها أهميتها في التلاعب بميزان القوى ورجحان كفةٍ على الأخرى وبقيت هذه الأهمية قائمة حتى ظهور الإسلام .
إن المصادر العربية وهي كثيرة لاتقدم لنا معلومات واضحة ودقيقة عن تاريخ هذه الدولة ، لأن أصحابها لم يعاصروا هذه الدولة ، بل إعتمدوا في ما دونوه في كتبهم على روايات الإخباريين ، وهذه الروايـات إذا درسناهــا وحللناها تحليلاً علمياً لا نخرج منها إلا بنتائج تاريخية محدودة وضيقة .
لذلك فقد أتجه الباحثون المعاصرون الى نقد هذه المصادر وتحليل ما ورد فيها من معلومات على ضوء ماذكرته المصادر الكلاسيكية ( الرومانية والبيزنطية ) والسريانية التي كانت معاصرة لدولة الغساسنة أو قريبة عهد منها من أجل الوصول الى صورة أوضح وأكثر دقة عن تاريخ هذه الدولة العربية ، كما أن المكتشفات الآثارية الحديثة تساعد الباحثين على تثبيت بعض الحقائق وتفسيرها من أجل الوصول الى نتائج دقيقة وصحيحة .
ومن خلال الدراسة والمقارنة فأن العلاقات بين الغساسنة والبيزنطيين لم تتوضح بصورة جلية حتى القرن الخامس الميلادي بسبب تطور العلاقات السياسية بين البيزنطيين والساسانيين وماآلت إليه مع الممالك العربية الحليفة لهم.