منذ أن انتهت الحرب العالمية الثانية، بدأت تركيا تبحث عن دور لها في الشرق الأوسط، ولا سيما بعد التهديدات السوفيتية لها والمتعلقة بتعديل ميثاق مونترو لعام 1936 والمطالبة بقارص واردهان، وإقامة قواعد عسكرية على البحر المتوسط. إذ أن السوفيت في هذه المرحلة خرجوا منتصرين من الحرب، بعد أن سيطروا على جل مناطق أوربا الشرقية، وبالتالي فرض النظام الماركس على دولها، مما شكل تهديداً للأمن الثقافي الأوربي. في خضم هذه التطورات بدءوا بالضغط على تركيا لتحقيق المطالب السالفة الذكر، في الوقت الذي قاموا أيضاً بدعم الحزب الشيوعي اليوناني من أجل سيطرته على الحكم، وقد دفعت هذه الأمور قيام الولايات المتحدة إلى إعلان مبدأ ترومان من 12 آذار 1947 والخاص بتقديم المساعدات لكل من تركيا واليونان بعد أن تنازلت بريطانيا عن التزاماتها للدفاع عنهما في شرقي البحر الأبيض المتوسط. فضلاً عن ذلك وبموجب مبدأ ترومان تم إبرام اتفاقيات ثنائية بين تركيا والولايات المتحدة.
والحق، لم يستطع القادة الأتراك الوقوف وحدهم في الصراع مع السوفيت نظراً للظروف الاقتصادية والعسكرية لتركيا وقتئذ. وعلى هذا الأساس بدأت تركيا تبحث عن قوة كبيرة تصون أمنها الخارجي، ووجدت هذا الضمان في الغرب بصورة عامة والولايات المتحدة بصورة خاصة.
ونتيجة لذلك، حاولت تركيا منذ أيلول 1948 وخلال الخطوات التمهيدية لتأسيس حلف شمال الأطلسي إبداء رغبتها في الانضمام للحلف المذكور. ولتنفيذ رغبتها هذه، قامت تركيا بإرسال 4500 مقاتل لخدمة قوات الأمم المتحدة في كوريا كي تبرهن مدى انصياعها لميثاق الأمم المتحدة والعالم الغربي. وأكثر من هذا، فقد أصبحت تركيا جزءً من منظمة قيادة الشرق الأوسط التي نشأت في مستهل عام 1950، ونتيجة لذلك، فقد جعلت الأقطار الغربية من تركيا خير وسيلة للتغلغل في أقطار الشرق الأوسط، بحجة ردع أطماع السوفيت في هذه المنطقة.
إن الغاية الرئيسة من الإستراتيجية التركية إزاء الغرب، كانت تتمثل الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ولكن كانت هناك معوقات أمامها، جاءت أساساً من بريطانيا التي رفضت الاقتراح التركي، لأنها كانت تنوي تأسيس منظمة الدفاع من الشرق الأوسط، إذ أنها أرادت ضم دول الكومنولث والأقطار العربية وبصورة خاصة مصر إلى هذه المنظمة، وكانت بريطانيا تخشى من توسيع قيادة S.H.A.P.E. في عمق القارة الأسيوية، ولهذا السبب فإنها أخذت تفضل خطة الربط الإستراتيجي لليونان وتركيا بالشرق الأوسط أكثر منه بأوربا الغربية، وزيادة على ذلك أنه في حالة انضمام كل من تركيا واليونان إلى حلف شمال الأطلسي فسوف يؤدي ذلك في نهاية الأمر إلى وضع بريطانيا في الشرق الأوسط تحت القيادة الأمريكية.