العولمة والتنمية الاقتصادية

لقد برزت العولمة بالأساس، في البداية، في مجال الاقتصاد، وكنتاج للثورة العلمية والتكنولوجية، وثورة الاتصالات والمعلومات الهائلة، ولكن لا تقتصر العولمة على المجال الاقتصادي وحسب، وإنما تمتد إلى مجالات أخرى مختلفة، سواء في السياسة، أو الثقافة، أو الإعلام، لكن العالم اليوم يبدو معولماً اقتصادياً أكثر مما هو معولم ثقافياً أو سياسياً، ومن هنا جاء التلازم بين العولمة والعولمة الاقتصادية، ومن هنا أيضاً هيمن الفهم الاقتصادي على ظاهرة العولمة التي هي حتماً ليست بالظاهرة الاقتصادية وليست مقتصرة على الاقتصاد، “فالعولمة” مرحلة تاريخية تتضمن كل الأبعاد الحياتية المختلفة بما في ذلك الاقتصاد والسياسة والثقافة والتي تتداخل مع بعضها البعض لتشكل عالماً بلا حدود اقتصادية أو ثقافية. وتتمثل الأبعاد الاقتصادية للعولمة في نمو الاعتماد المتبادل بين الدول وتعمُّقه, وفي وحدة الأسواق المالية وتعميق المبادلات التجارية، وإنشاء منظمة التجارة العالمية, وظهور التكتلات الاقتصادية العالمية, ونشاط الشركات دولية النشاط, والمؤسسات الدولية الاقتصادية كالبنك والصندوق الدوليين. وتؤدي هذه التطورات إلى بروز تساؤل هام حول الوظيفة الاقتصادية للدولة, وخاصة أن هذه التطورات تفرض نموذجاً معيناً للتنمية، وهو النموذج الليبرالي أو اقتصاد السوق، وتتحكم في كثير من الأنشطة الاقتصادية، من خلال مؤسسات التمويل الدولية، والشركات الكونية، وغيرها.