دراسة التراث العلمي وتحقيق العلوم عند العرب والمسلمين عملية تفرض نفسها بقوة في عصرنا الحالي لما يكتسبه هذا التراث من أهمية في الكشف عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للكيانات السياسية الإسلامية ودور هذه المؤلفات المتميزة في ابراز الجوانب المضيئة للحضارة العربية الإسلامية دون أن ننسى أن هذه المؤلفات يمكن أن تقدم الكثير للبحث العلمي، ولعل من النادر أن تشهد حضارة أمة من الأمم ما شهدته الأندلس من نهضة علمية وفي مجالات علمية عديدة ومنها في مجال علوم الطب والصيدلة والنبات فهذه العلوم مرتبط كل منهما بالآخر فعلم الطب يعني الدواء الذي يستخدم للحد من الأمراض ومعظم الدواء هو من النبات فيلتقي النبات مع الدواء في مسيرة واحدة لتأمين الغذاء النافع والدواء الناجع.
وتزخر مكتباتنا العربية العامة والخاصة بالكثير من المؤلفات والمصنفات الأندلسية في مجال هذه العلوم منها ما تم تحقيقه ونشره ومنه ما لم يزل على شكل مخطوطات رهينة خزائن المكتبات العالمية والعربية وفي بلدان مختلفة من العالم، وقسم آخر وللأسف الشديد مفقود ولم يصل ألينا وضاع مثلما ضاع الكثير من تراثنا النفيس، لذا كان لزاماً علينا جرد تلك المصنفات الطبية والنباتية التي دونها علماء الأندلس وجمع عناوينها وذكر محتواها ولو بشكل موجز ومختصر ومحاولة توضيح كل ما يتعلق بها من غوامض وإشكالات، فكان هذا البحث الذي نأمل من الله عز وجل أن يوفقنا في إنجازه بشكل صحيح والمساهمة في رفد المكتبة العربية بموضوع لم يتطرق إليه الباحثون بشكل عام وشامل.
وكعادة أي باحث علمي فقد واجهتني بعض الصعوبات في كتابته وإذا كان لا بد أن نسطر تلك الصعوبات وأن أول تلك الصعوبات هي ما يواجهه طلاب العلم والباحثون بشكل عام الآن في بلدنا العراق من وضع متوتر ومضطرب يحد من تطور العلم والبحث العلمي، أما العائق الثاني الذي واجهنا في كتابة البحث فهو أن معظم المصنفات الطبية والنباتية الأندلسية (موضوع بحثنا هذا) ما زال على شكل مخطوط في خزائن المكتبات العالمية والعربية في مختلف دول العالم، ولم يسعنا الوصول إلى تلك المكتبات والاطلاع على تلك المخطوطات ومعرفة مضمونها بشكل أوسع باستثناء بعض المخطوطات التي حصلنا عليها من خلال شبكة الانترنيت ومن بعض الأخوة الأساتذة مشكورين كما أن المحقق والمنشور من تلك المصنفات مطبوعة بشكل محدود ومنها بطبعات قديمة جدا نفذت من المكتبات ولم يعاد طبعها حديثا.