تعد النظرية البنائية أحدث ما عرف في التدريس، إذ تحول التركيز من العوامل الخارجية التي تؤثر في تعلم المتعلم مثل متغيرات المعلم والمعلمة والمنهج وغير ذلك من هذه العوامل، ليتجه هذا التركيز الى العوامل الداخلية التي تؤثر في هذا التعلم، أي اخذ التركيز ينصب على ما يجرى بداخل عقل المتعلم حينما يتعرض للمواقف التعليمية مثل: معرفته السابقة وما يوجد من فهم ساذج سابق للمفاهيم، وعلى قدرته على التذكر، وقدرته على معالجة المعلومات، ودافعيته للتعلم، وأنماط تفكيره وتعلمه، وكل ما يجعل التعلم لديه ذا معنى. وترتكز البنائية على التسليم بأن كل ما يبنى بواسطة المتعلم يصبح ذا معنى له، مما يدفعه لتكوين منظور خاص به عن التعلم وذلك من خلال المنظومات والخبرات الفردية. فالبنائية ترتكز على إعداد المتعلم لحل مشكلات في ظل مواقف أو سياقات غامضة. كما ان النظرية البنائية هي طريقة تفكـير بالمعـرفة وبآلية الحصـول عليـها، ويضيف باننا لا نستطيع ان ننقل المعـرفة، ولكن يجب أن نبنيها بأنفسنا، فالمعـرفة ليسـت سلعة يمكـن ان تنتقل مـن شخص الـى آخر، ويؤكـد ايضاً انه لا يوجـد سبيل امـام منظري البنائية لنقـل المعرفة، فكـل متعلم عليه ان يبني معرفـته بنفسه، فالكائـن المعرفي يفسـر الخبـرة، وبتفسيره يشكـل عالـماً منتظماً.
والنظرية البنائية بكل نماذجها تعود إلى الفلسفة والفكر البنائي التي تمحورت حول منهج فكري يعالج تكوين المعلومات ويدمج بين التقنية والتكنولوجيا، وتعد التربية من أكثر الميادين تأثراً بالفلسفة البنائية بتياراتها المعرفية والاجتماعية فهي تنظر للمتعلم بأنه نشط يبنى معارفه من خلال جمع المعلومات وخبرات الآخرين وليس من خلال تكوين صور أو نسخ من الواقع.
وفي هذا الكتاب سيتناول المؤلفون هذه النظرية من حيث الأسس النظرية والتطبيقية بما تتضمنه هذه النظرية من نماذج واستراتيجيات تدريسية.