تعد نظرية الالتزام– وبدون مراء – قاعدة الفكر الحقوقي ومنطلق الثقافة القانونية! فهي قد عنيت باهتمام خاص في الشروحات المتقدمة والحديثة للحقوق المدنية، فعمادها هو المنطق القانوني الذي يسلم بالبداهة لحكم العقل وفق معيار الحس العلمي المجرد، أما أحكامها فتتوخى الإطلاق والشمول، إذ هي ترسي مبادئ التفكير الحقوقي بأسلوب يقوم على التسلسل المنطقي، تشد فيه القواعد بعضها إزر بعض في بناء متماسك مترابط يشكل، بحق، دعامة الحقوق المدنية ككل.
ولما كانت الحقوق المدنية قد ترتبت عن نشوء علاقات مالية أساسها تعدد المبادلات بين أفراد المجتمع، بالتوازي مع تعدد وتنوع أوجه نشاط الفرد وفعالياته، فإن هذه المبادلات وما صاحبها من نشوء علاقات مالية، قد غدت محلاً للاعتراف القانوني الذي أقر ما ترتب عنها من حقوق لمصلحة الأفراد بعضهم تجاه بعض، فكان من نتائج ذلك أن أصبح أحد أطراف العلاقة ملزماً أو مكلفاً بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل لمصلحة الطرف الآخر، أو مسؤولاً أمامه في حدود التكليف أو الالتزام.
فالالتزام وفق هذا المعنى وهذه الصفة تعبير عن وسيلة الأفراد في اكتساب كل جديد في الحقوق المالية، أو المحافظة على ماهو قائم منها، غير أن تحديد الوسائل القانونية التي تتولى إيجاد هذه الحقوق أو تقريرها أو انقضائها تختص به نظرية الالتزام.
فنظرية الالتزام هي من تتولى تنظيم علاقات الأفراد بوصفها مجموعة من القواعد العامة المجردة، وهذا يعني أنها تقوم بمصاحبة الالتزام ومعاصرة أحواله منذ بدء نشوئه، مروراً بالصور التي يتكيف معها، وصولاً إلى لحظة انقضائه، فتعد بذلك أصلح النظريات القانونية ميداناً للتفكير المنطقي، وأفسحها مجالاً للتجريد والعموم، إذ هي بحسب وحدة أصلها التاريخي وسيادة المنطق فيها قابلة لأن تتوحد في شرائع الأمم المختلفة.