إن تأثير الآداب الأوروبية في الأدب العبري الحديث، يعد من الموضوعات المسلم بها أدبياً، إذ يعترف بهذا الأمر النقاد العبريون قبل غيرهم. وقد يأتي هذا التأثير نتيجة لبروز الأدب العبري الحديث وتطوره في كنف الأدب الأوروبي. فأغلب الأدباء العبريين الذين كانوا يحيون في هذا البلد الأوروبي أو ذاك يجيدون لغته ويتحدثون بها، عليه فالأديب العبري يطلع في بداية حياته على الثقافة الأدبية الأوروبية بالدرجة الأولى ويلم إلماماً واسعاً بما يـُنشر فيها من نتاجات وأعمال أدبية. وعلى هذا الأساس، يبدو تأثير الآداب الأوروبية في الأدب العبري الحديث طبيعياً ومألوفاً، فمن الصعب أن نجد أديباً عبرياً قاصاً أو شاعراً لم يتأثر بأديب أوروبي، ولم يحاول السير في نهجه الأدبي ولم يقتف أثره. وأقرب مثال في هذا المجال الأديب شالوم يعقوب أبراموفيتس – الملقب بمندلي موخير سفاريم – مدار بحثنا الذي تأثر بأكثر من أديب أوروبي ونقل شكل أعمالهم ونتاجاتهم إلى قصصه ورواياته العبرية الحديثة.
مع ذلك فإن الأبحاث والدراسات التي تعنى بهذا الموضوع، أي تأثير الآداب الأوروبية في الأدب العبري الحديث، وبخاصة فيما يتعلق بالأدب الروائي، تبدو شحيحة في إطار محيطنا الأكاديمي. من هنا تولدت فكرة دراسة موضوع البحث الذي طرحه أحد الأساتذة الأفاضل مشكوراً أمام الباحث، تحت عنوان (تأثير رواية “دون كيخوته” لميغيل دي سرفانتس في رواية “مختصر رحلات بنيامين الثالث” لمندلي موخير سفاريم). وبطبيعة الحال قد يسأل هنا سائل، لماذا هذه الرواية لمندلي بالذات، وإن هناك أكثر من أديب عبري قد كتب روايته على نهج وأسلوب “دون كيخوته” لسرفانتس، مثل عكنون في روايته (حفل زواج) وسمولنسكن في روايته (التائه في دروب الحياة) وغيرهما. والجواب على ذلك، أنه كانت هناك، في الحقيقة، أفكاراً تصب في هذا المجال أثناء مناقشة البحث مع الأستاذ الفاضل الذي طرح الموضوع، إلا أنه تبين أن رواية عكنون تعد مسهبة جداً حيث تقع في أكثر من ستمائة صفحة وهي تحتاج بمفردها لرسالة دكتوراه، وإن الرواية الثانية لسمولنسكن غير متوفرة.
…..