يروم هذ الكتاب إلى البحث عن ظاهرة توظيف السَّرد في الشِّعر، بوصفها ظاهرة بارزة اتخذت مظاهر فنية عِدَّة في تشكيل بنية النَّص الشِّعري، وفتحت مجالاً واسعاً لاستيعاب الشِّعر عناصر سردية تترابط فيما بينها لتشكيل حكاية، الأمر الذي جعل السَّرد يصبح في كثير من الأحيان البنية الرئيسة في كثير من النَّصوص بعد أن تسرب إلى مفاصل النَّص الشِّعري، فصار الحديث يجري عن نصوص شعرية سردية.
ولعل تفحص العلاقة بين الشِّعر والسَّرد، تأتي من منطلق أنَّ السَّرد نمط من الخطاب، وليس جنساً أدبياً، وبهذا المعنى يصبح السَّرد قابلاً للدخول على الأجناس الأدبيَّة، ومنها الشِّعر الذي له سمات فنية تميزه، من حيث اللغة والمجاز والإيقاع، ولكن هذه الطريقة المخصوصة للشعر لا تجعل منه جنساً مغلقاً لا يسمح بالانفتاح على الأنواع الأدبيَّة النثريَّة التي تنطوي تحت جنس السَّرد مثل الرواية والقصة القصيرة، والسِّيرة الذاتيَّة، ومعلوم أنَّ هذه الأنواع قد انطوت تحت مسمى جنس السَّرد بوصفها ارتبطت تاريخياً بالسَّرد، كما أن الشِّعر أساساً ارتبط تاريخياً بالسَّرد كما هو الحال في الشِّعر الملحمي. وعند استقراء نصوص شعريَّة منذ العصر الجاهلي يتبادر إلى أذهاننا النزوع السَّردي، ويتفاوت هذا الحضور من نص إلى آخر،الأمر الذي يشي بأنَّ هذه الظاهرة منسوجة في النَّص الشِّعري منذ القدم، وليس من سمات الحداثة كما يذهب بعض النقاد الذين يعدون التشكل الحكائي ظاهرة حداثية.