إن دراسة تاريخ أي علم أصبح ضرورياً من حيث ما يحمل في جعبته من كنوز مدفونة قد لا يلتفت إليها الباحث في العلم نفسه؛ وإن اقتفاء مسار الرياضيات، سيقودنا حتماً إلى معرفة كاملة و شامله لكل أنشطتها و انتاجها و من ثم سنكون قادرين على حصر إنجازاتها لكي يتسنى لنا حل القضايا العالقة، و تلمس القابل منها للتطبيق، و دفعه إلى أرض الواقع. و كما نعلم عندما بدأت الرياضيات تشق طريقها، كانت لصيقة و مرتبطة بالواقع، نتيجة الاحتياجات العملية، و ما يفرزه الواقع من قضايا و احتياجات ماسة، حينها أخذت الرياضيات بالمبادرة و كانت أولى المتطوعات في هذا الميدان، و لكن بعدما تعاظمت تلك التطبيقات و توسعت آفاقها، لم تعد تلك الرياضيات تلبي احتياجات السوقين، الفكري و العملي، بل لم تلب الإنسان الطموح الباحث دوماً عن المعرفة و السعادة؛ من هنا بدأت الرياضياتت تحلق عالياً في سماء الفضاء سعياً وراء ركب التجريد. في هذا التجريد، وجدت ضالتها لتفك طلاسم الوجود، من هنا، غدت الرياضيات أداة حادة و طيعة، قادرة على أن تسبر كل تلك الأغوار و تصون متطلبات الواقع العملي!