تعد تركيا من الدول ذات الاهمية الكبيرة من لدن الباحثين والمختصين في شأن الدراسات السياسية ولا سيما العلاقات الدولية والسياسة الخارجية, وذلك لما لها من قدرة وفعالية على المستوى الاقليمي في النظام العالمي بالتفاعل مع اللاعبين الدوليين والاقليميين, ولا سيما في ظل العقد الاخير من تاريخ تركيا الحديث, ولعل تفاعلاتها في السياسة الخارجية على المستوى الاقليمي والدولي, والتأثير المتبادل مع الفاعلين الدوليين والفاعليين غير الدوليين, سواء بشكل متقدم او متراجع وفقاً لمصالحها القومية, ابرز اهمية وقدرة تركيا في الامكانية والمقومات التي مكنتها من القيام بمثل هذه التفاعلات والتحركات في ظل قواعد دولية محكومة الى منظومة عالمية متعارف على تسميتها بالنظام العالمي, ولعل معيار القوة في العلاقات الدولية يعد من اهم المعاير التي تمكن الدول من القدرة على التفاعل والتأثير والتأثر بالمحيط البيئي لها, ويعتمد درجة نجاح او تراجع مثل هذه التفاعلات على المقومات التي تملكها الدولة والقدرة على توظيفها بالاتجاه الصحيح وفقاً لمصالحها واهدافها القومية, ولا سيما اذا ما عرفنا ان السياسة الخارجية ما هي الا امتداد للسياسة الداخلية, ومن هنا تبرز اهمية الترابط والعلاقة ما بين السياسة الخارجية لأي دولة مع معيار القوة الذي تتمتع به ويميزها عن غيرها من الدول الأُخرى محكوماً الى معيار القوة في العلاقات الدولية.
إنَّ هناك معايير عالمية يتم على أساسها طرح هيكلة القوى في النظام العالمي الجديد, فهي تُعد بمنزلة عناصر القياس الرئيسة التي يمكن الاسترشاد بها في تحديد مكانة الدولة داخل النظام, ومن أبجديات العلاقات الدولية, إنَّ قوة الدولة ووزنها السياسي هما نتاج المقومات الطبيعية(الموقع, المساحة, المناخ, الموارد المائية, …الخ) والمقومات البشرية المتمثلة في حجم السكان وتركيبهم الأجتماعي ونموهم وتوزيعهم, والمقومات الاقتصادية التي تتمثل في مصادر الطاقة, والموارد المعدنية, والصناعية, والزراعية, وتوافر الغذاء, وقوة التجارة, والتي لا يخفى أهميتها في مقومات القوة بكل أشكالها وأبعادها, حتى أصبحت المحرك الأساس للعلاقات الدولية, إذ كانت ولا زالت المصالح الاقتصادية سبباً أساسياً للنزاع أو التعاون السياسي والعسكري الدولي منها والإقليمي, فضلاً عن أهمية المقوم العسكري بكل مشتملاته من حيث القدرات العسكرية والتقنية والتكنولوجية من حيث التدريب والعدة والعدد وكذلك العقيدة العسكرية وأنعكاسها على الجيوش في تحقيق الأهداف والمصالح للدولة وتأثيره على سياستها الخارجية ومن ثم مكانة الدولة في النسق الدولي وتحديد وزنها السياسي في النظام الدولي والإقليمي.