لقد اشتهرت القصة في الحقب الأخيرة شهرة واسعة، وولجها الكثير من الدراسين والنقاد والباحثين والكتّاب، بحثاً وتحليلاً ودراسةً وتقويماً. واشتهرت في بلدي العراق ايضاً، بشهرة روّداها الكثيرين الذين ابدعوا في كتابتها أيما ابداع. ومن ثمَّ ظهرت القصة القصيرة, والقصة القصيرة جداً. وهذه الاخيرة هي المهيمنة اليوم على الساحة السردية العراقية والعربية، وكما هو معلوم لدى الجميع. إذ هي سرد خاطف، وحدث موجز، ولغة مكثفة، ومن هنا هذه السمات في تلائم روح العصر وذوقه وثقافته التي تميل الى الاختصار والتكثيف والايجاز, وتوافق سرعته الجنونية التي يسير بها مع العلوم المختلفة في الآداب والفنون الكثيرة.
ولا يظن أحد أن الكتابة في القصة القصيرة جداً، أمر سهل ومتيسر وفي متناول الجميع، بل العكس من ذلك تماماً، فالكتابة في هذا الفن السردي الابداعي يحتاج إلى لغة شعرية عالية ومتقنة، كما أن الكتابة فيه يتطلب مهارة في معرفة عناصر ووسائل القصّ, لأنها ذات موضوعات مختلفة تهتمّ بشتى مناحي الحياة الثقافية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية…وغيرها. وهذه الموضوعات من الأهمية بمكان في الطرح، واستجلاء المضامين والأهداف من القصة القصيرة والقصيرة جداً, ناهيك عن التكثيف في أحداثها وشخوصها, وعن المفارقة في اللغة والصور والخيال التي غالباً ما تأتي مع هذا النوع من القصص والتي تصل بالقارئ والمتلقي إلى الهدف والمغزى من كل قصة.