ليس كل أشعار الحكام تحمل إشارات تنبئ عن شخصياتهم ومراتبهم لأنهم يشتركون مع الناس عامة كونهم بشراً يحملون ما يحمل الناس من مشاعر. ولكن ثمة قواسم مشتركة ينمازون بها عن غيرهم من الشعراء، عبر مضامين أشعارهم أو أجواء الفن. بل يمكن أن ينماز شعر حاكم عن غيره في التعبير الشعري أو في طغيان جو انفعالي على آخر في حقبة معينة أو عدة حقب زمنية وهناك من يزعم أن الحكام في الغالب يترفعون عن نظم الشعر أو مشاركة الناس بما ينظمون!. لكن سيرة الأدب على وفق سياقها التاريخي تثبت عكس ما يزعمون، ولا نغالي إذا قلنا أن الحكام أكثر الناس حاجة إلى لشعر على وفق النسق التاريخي لطبيعة الحكم في الدولة العربية الإسلامية، فهم ينظمونه ويشاركون الناس بما ينظمون ذلك أن خطابهم إنما يوجه إلى الناس في الغالب، وهم مدركون أكثر من غيرهم لأهمية الشعر في السياسة والحكم. و أدل على ذلك ما يمكن أن يقال في تنشئتهم وإعدادهم للحكم على أُس أدبي خالص ضمن حلقة تربوية متكاملة. لذا من يتصدى للحكم في الدولة العربية الإسلامية سيكون أمّا ناظم شعر أو متأدباً به أو مستلذاً به ومشجعاً له، أو محتاجاً إليه. ولا تختلف طبيعة الحكم العربي الإسلامي في الأندلس عن غيره في المشرق للتوحد في المشرب السياسي والديني والاجتماعي، لذا كان جلّ حكام الأندلس يتعاطون الشعر ويهتمون به.
ولمعرفة شعر الحكام في الأندلس مضموناً وفناً، وبم انماز شعرهم بغزله و فخره وأغراضه الأخرى، وما هي المهيمنات التي طغت على نصوصهم، وأشكال هذه النصوص، وجد المؤلف في نفسه رغبة في استقصاء هذا الشعر ودراسته عبر المضمون وصور الفن، من خلال جمع أكثره، مما وقع تحت طائلة الدرس وسعى إلى الكشف عن مزاياه. عبر محاور يكشف فيها الباحث إجابة لتساؤلات تدور في ثلاثة محاور: ماذا قال الحكام الشعراء؟ ولمَ قالوا؟ وكيف قالوا؟، على وفق ماتهيأ لهم من السلطة.