لا شك أن تجمع الإنسان في إطار جماعات بشرية كان السبيل الأول الممهد لتبادل السلع وتقديم الخدمات في إطار المعاملات الإنسانية للجماعات البدائية، فكان المرء يقوم بمبادلة ما يفيض عن حاجته بما هو في حاجته لدى الآخرين، لذا كانت المقايضة هي أمثل الحلول الذي تبادرت إلى ذهن الإنسان آنذاك.
ظهر مع مرور الزمان إن هذه الوسيلة قاصرة عن تلبية كل متطلبات الإنسان، خاصة مع تعدد رغبات الفرد وحاجاته وتوسع نشاطه، فقل الاهتمام بها وندر اللجوء إليها، فكان من أثر ذلك أن تفرع عنها عقد البيع مع ظهور النقد كمقياس مشترك للقيمة، فأخذ الناس يفضلون مبادلة شيء بنقد هو الثمن عوضاً عن مبادلته بشيء آخر قد لا يكونون بحاجة إليه، فبالثمن يستطيعون شراء حاجاتهم من أشياء مختلفة بدلاً من مبادلة سلعة بسلعة.
فالبيع في صوره الأولى وبحسب الأصل كان يتم نقداً وحالاً، غير أن ظهور الحاجة إلى نقل ملكية المبيع بثمن مؤجل قد تطلب إنشاء عقد يحقق هذا الأثر, بل وترتيب التزامات متقابلة على طرفيه قابلة للتنفيذ في وقت لاحق، وبهذه الصورة ظهر البيع في روما في مطلع القرن الأول قبل الميلاد بوصفه عقداً رضائياً أطلق عليه اسم مركب (شراء بيع) كمؤشر على الالتزامات المتقابلة بين المتعاقدين.
كل هذا قد جسد واقعا إيجابيا أصبح فيه عقد البيع من أهم العقود شيوعاً واستعمالاً, بل والمتنفس الطبيعي لقضاء حاجات الناس على المستويين الفردي والجماعي، وهو ما يعد بمثابة القانون العام الذي يتم الرجوع لأحكامه في باقي العقود عند الحاجة، وهو ما أولاه المشرع عناية خاصة إذ جعله في طليعة العقود المسماة في القانون المدني .