التاريخ هو القيام بدراسة الماضي وتتبع سوابق الأحداث ودراسة ظروف السياقات التاريخية وتفسيرها، فمنهج البحث التاريخي يحتاج إلى ثقافة واعية، وتتبع دقيق لحركة الزمن التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على النص التاريخي، ويجب إعطاء الأهمية الأولية للسياق التاريخي لتأويل النصوص، لأن هناك وثائق تدل عن انحياز كامل للمرحلة التي كُتبت فيها، فبعض الوثائق لا تعبر عن حقيقة ما جرى من أحداث، لهذا وجب التركيز على قراءة النص التاريخي ونقده لأن هناك كتابات تاريخية سيطرت عليها أيديولوجيات المؤرخين السياسية السائدة آنذاك، ثم إن وجود هذه الحقائق والوثائق بين أيدي المؤرخ لا يضمن الاتفاق بين المؤرخين على تأويلها التأويل نفسه، لأن لكل مؤرخ رأي خاص به، ووجهة نظر يدافع عنها، ولا يمكن بطبيعة الحال أن نضمن اتفاقاً بين المؤرخين على حدث معين، فلكلٍ تأويله وتحليله عند تحليل النصوص التاريخية.
ونجد ذلك واضحاً بيناً في كتابات المؤرخين الذين تناولوا تاريخ الأندلس، ولا يخفى على أحد أن القسط والعدل هو غاية الرسالات السماوية والشرائع الوضعية، وإن الحضارات الإنسانية التي سادت في الازمنة الغابرة لم تبلغ مجدها وعزها إلا عندما ساد العدل فيها فعمَ الآمن، فتساوى فيها القوي والضعيف، والغني والفقير، والقريب والبعيد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة)، وبالعدل قامت السماوات والأرض وبالظلم يهتز عرش الرحمن جل وعلا، والفطرة السليمة في الإنسان مستقر فيها العدل، وكل أمة تعطلت فيها خلة العدل نجد فيها من الآفات المهلكة والزوايا القاتلة وفقراً معوزاً وذلاً معجزاً، ثم لا تلبث بعد ذلك أن يخبو ضوءها فتبتلعها الأمم الأخرى.