هذا كتاب المعنون بـ (فقه الصحابي سلمان الفارسي) رضي الله عنه وأرضاه، وغني سلمان رضي الله عنه عن التعريف، فهو الباحث عن الحقيقة حتى صار من أعلامها، في هذا المقام تجب الحاجة إلى إبانة سبب و توضيح علة، يحسن ذكرها؛ لتستبين سر اختيار الكاتبة لسلمان رضي الله عنه تحديدا دون غيره من الصحابة، وإن كانوا جميعا أصحاب فضل على أمة الإسلام وكافة المسلمين.
أما سلمان رضي الله عنه فهو أحد الصحابة غير العرب، وكفى بهذا سببا لدراسة فقهه، فالرسالة التي يحملها هذا الكتب أن الإسلام كما أنه دين عالمي فإنه لا فرق فيه بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، كما نطق بهذا صريح المقال، فهذا سلمان صريح الحال أيضا يترجم ذلك المقال واقعا عيش ويعاش إلى يومنا الحاضر.
وإذا قلنا لا فضل إلا بالتقوى فالتقوى لا تنحصر في زهد زاهد أو تجرد متجرد، وحسب، بل أن من التقوى حسب ما أفهم وتعلمت جد واجتهاد وعمل وسعي لإرضاء الله عز وجل، وما قولنا هذا ببعيد عن قول القائل: (التقوى الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل)، بل إني أزعم أنه عينه، فماذا يكون نقل أحكام الشريعة غير أنه عمل بالتنزيل؟!
وإن ما تعايشه أمتنا الإسلامية في عصرنا البئيس هذا من فرقة وتشرذم -لا أكون مبالغة إذا قلت فيها تعصب جاهلي أعمى متعاون مع شعوبية حمقاء بغيضة- يفرض علينا الإشارة إلى نموذج فذ من الصحابة غير العرب، نعم نموذج فذ في بحثه عن الحقيقة، ونموج فذ في نقله العلم، حتى إنني لا أبالغ إذا قلت إنه بذاته ليعد مدرسة مستقلة.
هذه المدرسة والتميز والعبقرية التي جسدها سلمان رضي الله عنه ما كانت لتكون إلا بفضل الإسلام وفعله في نفسه وروحه.