لقد واجهت إندونيسيا منذ قيامها في العام 1945 حركات راغبة باالاستقلال مثلً حركة دار السلام في جاوة، والتي أرادت تأسيس دولة إسلامية، وكان ذلك في العام 1947، ثُمّ حدثت إنتفاضة شيوعية في العام 1948، والإنقلاب الشيوعي الفاشل على “سوكارنو” في العام 1965، وعند مجيء “سوهارتو” واجهت حكومته حركات إنفصالية في جزر متعددة من أجل الإطاحة بالدولة الموحدة، وإقامة دولة فيدرالية او تقسيم البلاد الى دويلات صغيرة و منفصلة، ولكن “سوهارتو” كان قد واجهها من أجل الحفاظ على الشكل الموحد للدولة، وبعد زوال نظام “سوهارتو” العام 1998، تفجرت الحركات الراغبة باالاستقلال بشدة، إلاّ إنّ ذلك لا يعني تفكيك إندونيسيا بالمستقبل رغم تأسيس دولة (تيمور الشرقية)، والتي يمكن إنّ نقول إنّ لها وضعاً خاصاً بها، إذ لم تكن جزءاً من الاراضي الإندونيسية عند الإستقلال العام 1945، وبقيت مستعمرة تابعة للبرتغال حتى العام 1975، او بالرغم ما يُعاب على “البانجاسيلا” من إنّها لم تمنح المسلمين حقوقهم رغم إنّهم يكونون الغالبية العظمى، إلاّ إنّها ظلت تمثل الى يومنا هذا النمط الوحيد الذي يحافظ على وحدة وتماسك الأمة الإندونيسية من التمزق رغم تركيبتها المعقدة، فهي اليوم ما زالت تعبر عن عمق التضامن والتآلف الإجتماعي رغم ما يعصف بها من هزات تريد أن تقوض إستقرار هذا البلد المُترامي الأطراف، وتندرج أهمية الدراسة لمشكلة بناء الأُمة في إندونيسيا في إطار البحث عن الأسباب الموجبة لنشأة الحركات الإنفصالية وأثرها في الوحدة الوطنية في إندونيسيا رغم إنّ إندونيسيا تُعدّ أحد أبرز دول العالم من حيث تنوعها الجغرافي، والثقافي، والعرقي، والحضاري، وهي تمتلك نمطاً فريداً من مقومات الموقع والقدرات المادية والبشرية، ولها ثروات طبيعية إذا ما أُستغلت على الوجه الأكمل يجعلها ذلك في مصاف الدول المتقدمة، وإندونيسيا اليوم تحاول الوقوف بوجه محاولات التفتيت والانقسام، وهذا ما يفيدنا في موضوع الوحدة الوطنية في العراق، وكيفية الحفاظ عليها؟، فالوحدة الوطنية بشكل عام لا تبنى على أنقاض تجاهل حقوق القوميات، والمذاهب، والاديان، والاقليات، بل إنّ من أسباب نجاح الحفاظ على الوحدة الوطنية هو أن ينال الشعب بكل مؤسساته، ونُخبه، وفئاته على إختلافها الحرية اللازمة للتعبير عن آرائه، وإدارة مصالحه، وشؤونه بما ينسجم ومصالح الأُمة العُليا. فمن البديهي عندما ينالُ أبناء الأُمة الواحدة الحرية تزول كل مسببات الخوف واستعمال العنف، وتبدأ تدريجياً نوازع الإستقلال الذاتي والإنفصال بالإضمحلال، والتعدد الثقافي، واللغوي، والديني، ولا يمكن عدّهُ عامل نقمة، فالتعدد الثقافي واللغوي في سويسرا مثلاً لم يمنعهم من بناء وحدة وطنية تعطي لكل مجموعة حقوقها دون أن تُُهمش وتُقصي الآخر، ومن ثُمّ عُدّ التنوع عامل نعمة بالنسبة لهم، وعلى هذا الاساس سيتم دراسة موضوع الأُمة الإندونيسية بما تمتلكه من تركيبة معقدة في هذا الشأن، فهذا البلد يتكون اصلاً من شعوب كثيرة، وثقافات متعددة، ومثل هكذا بلد جدير بالدراسة والاهتمام، والتحليل، والبحث المتواصل للإستفادة من تجاربه في كيفية التعامل مع المشكلات التي تعصف بوحدته الوطنية وتماسكه المجتمعي.. …..