يعد بحث القضايا من أهم المباحث المنطقية وأوسعها، فالمنطق يعتمد على بحوثٍ أساسية ثلاثة، مبحث الحد، ومبحث القضايا، ومبحث الاستدلال، ولكون مبحث القضايا يمثل جسراً منطقياً بين مبحثي الحد والاستدلال، ولأهمية هذا الموضوع، ليس في البناء المنطقي الأرسطي (التقليدي) فقط، بل وحتى في المنطق الرياضي (الرمزي)، إذ تختلف النظرة بين المنطق الرياضي والتقليدي للقضية مرة، ويتفقان فيما بينهما من حيث إعتبار إن القضية خبر تام يصح وصفه بالصدق والكذب، ويتفقان أيضاً في جعلهما القضية الأساس في كل استدلال.
فالقضية مادة أساسية لبناء النسق المنطقي الرياضي، بعد تحويلها من دالة القضية الى قضية، وذلك بعد إشباع أماكن المتغيرات بثوابت، واستعمال الروابط المختلفة لتكوين الأنساق المختلفة، والقضية المادة الأساسية لكل صناعة في المنطق التقليدي، فهي مادة أساسية لـ (البرهان، الجدل، السفسطة، الخطابة، الشعر)، وعليها يعتمد المنطقي للوصول الى الحق واليقين.
وعلى الرغم من اختلاف نظرة المنطق الرياضي الى قضايا المنطق التقليدي، لكونها قضايا تحليلية مرة، وهي دوال قضايا ولا سيما الحملية منها مرة أخرى، نجد أن المنطق التقليدي نشط نشاطاً ملحوظاً في بحث القضايا وتوسع فيها، وبحث تركيبها وأنواعها، فكل تركيب لفظي ثنائي، أو تركيبٍ مكون من هذه التركيبات الثنائية، لا يخلو من أن يكون أحد أقسام القضايا المختلفة.
ولاهمية هذا الموضوع، ولما بذله ابن سينا من جهودٍ كبيرة، من خلال الشرح والنقد والإضافة، تم اختيار هذا البحث في هذا الحقل المعرفي لكشف الجهد المنطقي الذي أتى به، وقمنا بدراسة الموضوع على ضوء المنهج التحليلي المقارن، التحليل لفك النصوص والمقارنة بما سبق ولحق من فلاسفة لملاحظة جهود ابن سينا في ميدان القضايا خاصة، وفي ميدان المنطق عامة.