كانت معرفة الإسناد من فروض الكفايات، وهو من العلوم التي حَرَسَ الله بها الدِّين، وصِينَتْ به الشريعة من كذب الكاذبين وافتراء المبطلين وانتحال المنتحلين، وقد وفق الله تبارك وتعالى لهذا حُفاظاً عارفين، وجهابذة عالمين، وصيارفة ناقدين، فتفرغوا لجمع الإسناد، وأفنوا أعمارهم في تحصيله وتدوينه، فلم يدعوا شاذةً ولا فاذةً إلا قيدوها بعدالة تامة وأمانة كاملة. كان الأئمة يسألون الرواة عن شيوخهم ومروياتهم وزمان ومكان لقياهم وإن حدث عن شيخ قد مات، فيقال للراوي: متى ولدت ؟ و متى لقيت هذا الشيخ ؟ و أين لقيته ؟ ثم يقابل بين ما يجيب به و بين ما حفظ من وفاة الشيخ الذي روى عنه و محل إقامته و تواريخ تنقله. و مثاله: ما جاء عن عفير بن معدان أن عمر بن موسى بن وجيه حدث عن خالد ابن معدان، قال عفير: فقلت له في أي سنه لقيته ؟ قال سنة ثمان و خمسين و مائة، في غزاة أرمينية. قلت اتق الله يا شيخ، لا تكذب، مات خالد سنة أربع و خمسين و مائة، أزيدك أنه لم يغز أرمينية.
وكان ائمة علوم الحديث يختبرون الراوي فمثلاً، يسمع من الراوي عدة أحاديث، فتحفظ أو تكتب، ثم يسأل عنها بعد مدة، و ربما كرر السؤال مرارا لينظر: أيغير أو يبدل أو ينقص ؟ خَلَّفَتْ لنا هذه الجهود المباركة ثروة علمية زاخرة في فروع هذا العلم كافة، فظهرت الكتب التي تعنى بأسماء الرواة وكناهم، وبلدانهم، ومواليدهم، ووفياتهم ونحو ذلك، وهو ما يعرف بـ(علم الرجال)، فألفت الكتب التي تعنى بأحوال الرواة من حيث ثقتهم وضعفهم فمنها الذي يجمع بين النوعين، ومنها الذي خصص للثقات فحسب، ومنها الذي خصص للضعفاء فحسب ككتاب الكامل في الضعفاء،لابن عدي.