إنساننا العربي يقبع اليوم جريحاً في ظلال تمزق سياسي مريع وتنعكس عليه وحده دون غيره الخلافات العربية، وهو مع تراكم هذه الصفعات اكتسب صفة البرود واللامبالاة، وأصبحت ردود فعله إزاء الأحداث الجارية فوق الساحة العربية باهتة هزيلة، وانسحب هذا الموقف العدمي على بقية تفاعلاته، واهتماماته الاجتماعية والثقافية الأخرى. ولقد بلغ حالة من الركود يكاد فيها لا يكترث ولا يبالي بإيدولوجية النظم السياسية التي تحكمه، ذلك أن طاقاته الجسدية والعقلية مسخرة لمواجهة أزماته الاقتصادية، ولإبقاء رغيف الخبز متواجداً على مائدة أطفاله. هذه الحالة النفسية المؤلمة للإنسان العربي – إن دلت على شيء فإنما على أن صاحبها كان في وقت سابق يتفاعل بحرارة وصدق مع الأحداث الوطنية.. كان يخرج في الشوارع، ويحمل البندقية للتصدي للغزو الأجنبي لمصر إثر تعرضها للعدوان الثلاثي عام 1956م، ولسورية إثر إعلان إيزنهاور وفرض الحصار والتهديد عليها من قبل حلف الأطلسي عام 1957م، وللبنان والأردن إثر نزول القوات الأمريكية والبريطانية عام 1958م. كان الإنسان العربي يتأجح وطنية في مساندته لثورة الجزائر.. في تنديده بالفرنسيين الغزاة لاعتقالهم أحمد بن بيلا ورفاقه.. وكان ذا إحساس مرهف وشعور وطني لاهب، وتفهم لطبيعة ما يجري في وطنه العربي الكبير. وفجأة، إثر توالي النكبات يتحول إلى إنسان آخر غير مكترث! تسري الإشاعة في جسده سريان النار في الهشيم لتنخر في جسم الأمة فتزيد الفرقة والخلاف، وتوسع الهوة بين أبناء الأمة.
كل هذه الأحداث جعلت الشعراء العرب يكتبون عن المآسي التي تعبَّر عن واقع المواطن العربي المسكين ، وهذا هو نزار قباني واحداً من هؤلاء الشعراء .
نقدم في هذا الكتاب مجموعة من أجمل القصائد السياسية للشاعر نزار قباني ، التي تمثل واقع الشعوب العربية وهموم المواطن العربي الجريح..
…….