إن الروائي يأخذ مادة روايته من الحياة نفسها، وسواء أكانت الرواية انعكاساً للواقع أم أداة لتشكيله تشكيلاً جديداً، فإن صلتها بالحياة من صميم طبيعتها، وما دامت الرواية جلاء للواقع ورؤية للعالم، فإن المقاربة النقدية لعالم الرواية تساعد بلا شك في فهم أفضل للواقع وتجلياته المنظورة وغير المنظورة، وفي زمن التحولات تكتسب المقاربة النقدية والإضاءة المعرفية للنص الروائي أهمية مضاعفة، ذلك أنها تهب القارئ وعياً جديداً يحقق في أفقه جوهر كينونته (حريته)، كي يطلق صوته الحبيس من زنزانات الأسر المعرفي المزيف ويحرّر وجدانه المحاصر بالموت والقتل والدمار، ليقول كلمته الحرّة في عالم يزداد كل يوم ضخامة ويزداد إنسانه كل يوم ضالة.
لقد استطاعت الباحثة (ليلى عبود خلف) أن تكشف للقارئ الإمكان التاريخي في هذه الروايات الذي يجعلنا نتعرّف على ما يمكن أن يقوله النص، وما لا يمكن أن يقوله، وما كان يمكن أن يقوله ولكن سكت عنه، إذ تستطيع الرواية أن تقول ما لا يستطيع التاريخ أن يقوله.
هذه الدراسة جديدة في بابها، وقد أحسنت الباحثة أستثمار مقروئها في قراءتها النقدية، فهي باحثة جادة لها منظورها الواضح، ومنهجها في طريقة التفكير، وفي تقديم نتائج هذا التفكير، فقبل المنهج العلمي في الدراسة، حضرت رؤيتها النقدية في التفكير المنهجي، وبذلك قدمت دراسة نقدية نوعية إلى المكتبة العراقية والمعجم النقدي العربي.
إن رواية النكبة الإيزيديّة إدانة صارخة لكل أنظمة الشرّ وصرخة مدوية في وجه القبح بكل تمثلاته وتمظهراته، في وقت صمت فيه العالم كله وسكت، ونطقت الرواية وتكلّمت، لتبقى مشروع تنويري في ضمير الأمة وبصيرتها النافذة.