تكريت نافذة على التاريخ

الولاء للأسرة والوطن له طابع روحي وأخلاقي، ولهذا الولاء جذور بعيده الغور في أعماق النفس البشرية، وتضرب هذه الجذور كوامن كل إنسان، لكن تفجرها يختلف من إنسان إلى آخر حسب قوة ارتباطاته بأسرته، ومحلته وقريته أو مدينته، ولما كانت الارتباطات الأسرية في الأحياء الشعبية، أقوى من غيرها في الأحياء الأخرى، فإن الولاء لها ولأبناء المحلة والمدينة، يمتاز بالوضوح والاندفاع، وتتمثل فيه روح الحب، والتعاون والمؤازرة، لذلك فهو يلقى تجاوباً كبيراً، من قبل سكان ذلك الحي، أو القرية أو المدينة، بحكم ما ألفوه، وساروا عليه، بشأن التعامل وفق المثل العليا، والأخلاق الفاضلة، واستجابة لمتطلبات العقيدة الدينية الراسخة في أذهانهم، فجاءت العلاقات أخوية صريحة صافية نقية، لأنها رافقتهم من الطفولة، فكبرت معهم كلما كبروا.
وبدافع هذا الشعور، وحب المدينة وأهلها، بادرت سنة 1947 م إلى جمع بعض أخبار تكريت، الغائرة والمتناثرة في أعماق التأريخ، في كتاب طبع في أواخر سنه 1949 تحت عنوان (سلمى التغلبية – أو وقعة الفتح الإسلامي في تكريت)، ولما لم يكن بمستوى طموحي التاريخي، لافتقاري إلى المصادر الكافية آنذاك، فقد صغته بأسلوب أدبي ليكون قصة أدبية تاريخية مشوقة، تطرقت من خلالها إلى انسجام التعايش بين المسلمين وبين النصارى، عندما كانت تكريت مقراً لكرسي مفريانية السريان الأرثوذكس، وظلت هذه المفريانية تمارس إشرافها على الكنائس السريان مده طويلة، كما هو مبين في كتابي هذا.
وبعدها كنت أطلع إلى أن اكتب كتاباً شاملاً عن تكريت، ولكن مشاغل الحياة، وصعوبة جمع أخبار تكريت، كانت سبب التأخير، ولما قررت العمل، فقد كلفني هذا المجهود وهو(تأريخ تكريت) عملاً متواصلاً مدة ست سنوات، كنت خلالها أقرأ كل كلمة في المصدر الذي أحصل عليه، كي لا يضيع مني في أي خبر مهما كان بسيطاً، لأن تكريت لم يسجل عنها أي تأريخ متسلسل في حوادثه وأخباره،