في وقت لم تكن دراسة الاحداث التاريخية فيه بمعزل عن تراث العرب في الشعر والنثر، وانما كثيراً ما يكونان محلاً للاستشهاد تاكيداً على صحة الحدث، انطلاقاً من مقولة (الشعر ديوان العرب) اذ انه يعد كتاب احداثهم وسجل انسابهم وموطن بلاغتهم.
ومن هنا، حفلت كتب التاريخ والعلوم والتراجم والانساب والفرق وغيرها بالشواهد الشعرية، مما يعكس الاهمية البالغة للشعر في سلوك العرب، وما دام الحدث التاريخي يشكل المادة الرئيسة في تقصي الاخبار السالفة وكشف ابعادها الحضارية، فلا نغالي اذا قلنا: ان الشعر هو الراصد للاحداث من كثب، اذ انه اخذ يشكل حيزاً في سجل الاحداث التاريخية حتى اصبح مثار اهتمام الباحثين والمؤرخين، فلا يخلو مصدر من مصادر التاريخ من استشهاد بشعر او موقف لشاعر انطلق من حرارة احداث عصره.
وما دامت هذه الحقبة من التاريخ خصبة ومهمة باحداثها التاريخية في العصر الاسلامي، فلابد من دراستها دراسة تخضعها الى نظرة تحليلية لعرض الاحداث ومتابعة تدوينها من زاوية اخرى لاتقل شأناً عن زوايا توثيق التاريخ الاخرى، وهي الاستعانة بالشعر في تفسيرها، بعد ان كان المؤرخ يركز على الروايات التاريخية ولايولي الشعر الاهمية المطلوبة في تمثل الاحداث وكشف ابعادها وملابساتها الموضوعية، بعد ان تنبه ابو عبيدة معمر بن المثنى (ت309هـ/824م) في كتابه (نقائض جرير والفرزدق) الى ذلك عندما استعان بالشعر في توثيق تلك النقائض، فبدت تلك النائرة تتوقد من جديد في ابحاث الاساتذة المعاصرين بشكل بحث مستقل كما في كتاب (الشعر والتاريخ) للدكتور نوري حمودي القيسي، عندما اخذ الشعر مادة رئيسة لدراسة الحياة السياسية، او كتاب (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) للدكتور علي الوردي، عندما اخذ الشعر مادة رئيسة لدراسة الظواهر الاجتماعية والفكرية، مساندين بذلك الاراء القائلة: بان الشعر وثيقة تاريخية. .